بسم الله الرحمن الرحيم
يروي الدكتور عبد القادر البوخاري رئيس مصلحة التشريع في وزارة الأوقاف المغربية، أن كثيرا من المغاربة ذهبوا إلى فلسطين، وانضموا إلى قوات صلاح الدين الأيوبي وشاركوا في معركة تحرير القدس من الصليبيين، وبعد النصر عاد قسم منهم إلى المغرب، ورغب قسم آخر في الاستقرار في القدس، وأذن لهم صلاح الدين بذلك، وتم «وقف» الحارة الواقعة قرب الزاوية الجنوبية لحائط الحرم والتي اعتاد المغاربة النزول بها، لتكون مكان إقامتهم، وكان ذلك في عهد الملك الأفضل سنة 1100 بعد أن خلف والده صلاح الدين على دمشق والقدس. وبرز بعد ذلك اهتمام مغربي رسمي وشعبي بشراء الأملاك في القدس حسب قاعدة (الوقف)، وشمل ذلك العقارات المبنية، والعقارات غير المبنية، كما هو الشأن لقرية (عين كارم) الموقوفة بكاملها من طرف الشيخ أبو مدين الغوث، وتقدر مساحتها بخمسة عشر ألف هكتار، وقد كانت حتى حدود سنة 1948 من أولى القرى الزراعية التي تمون القدس بإنتاجها من الفواكه والخضر (تعمل إسرائيل الآن على مد المستوطنات إلى قرية عين كارم). وشمل الوقف المغربي عقارات مبنية أيضا، كما هو الشأن بالمكان المعروف بقنطرة أم البنات في باب السلسلة من طرف الشيخ أبو مدين، وكذا بالنسبة إلى الأملاك الموقوفة من طرف الشيخ عمر المصمودي بالمكان المعروف بحارة المغاربة.
قامت إسرائيل خلال عام 1948 باحتلال جانب هام من قرية عين كارم خارج اسوار القدس. ونظرا إلى أن المغرب كان آنذاك تحت الحماية، فقد قامت وزارة الخارجية الفرنسية سنة 1953 برفع دعوى ضد إسرائيل، طالبت فيها بالاعتراف رسميا بكون قرية عين كارم والأراضي التابعة لها، ممتلكات مغربية، كما طالبت برفع الحجز عنها، ودفع تعويض عن استغلالها. وقد ظلت هذه الدعوى قائمة بعد استقلال المغرب، إلى أن تلقت وزارة الخارجية المغربية سنة 1957 رسالة من وزارة الخارجية الفرنسية، تخبرها فيها بقبول اسرائيل دفع تعويض سنوي عن استغلال عين كارم، ولكن المغرب رفض الدخول في أي تعامل مع اسرائيل بخصوص هذه القضية حتى لا يفهم منه الاعتراف ولو ضمنيا. كما اتخذت تونس نفس الوقف. وقد ترتب عن احتلال قرية عين كارم أن أصبح ريع الأملاك الموقوفة غير كاف، واصبح المستفيدون منها البالغ عددهم ألفي نسمة في حالة من البؤس والتشرد، خصوصا بعد أن اعتبرتهم المنظمات الإنسانية الدولية غير فلسطينيين (اي أصبحوا إسرائيليين)، وحرمتهم بالتالي من المساعدات الدولية المقدمة لباقي الفلسطينيين (من خلال الأونروا). وقد قدم المغرب إعانات مالية لهم بين سنتي1952 و 1955، كما استمر لاحقا في تقديمها بصفة منتظمة.
وبعد أن احتلت إسرائيل كامل فلسطين عام 1967، كان من أول الإجراءات التي قامت بها، مصادرة حي المغاربة المجاور لحائط البراق في القدس، بحجة إيجاد ساحة أمام حائط المبكى، وقامت بنسف الحي يوم 1967/6/11 مهدمة 138 بناية اثرية من ضمنها جامع البراق وزاويته، وطردت سكانه البالغ عددهم آنذاك 635 نسمة.
وفي عام 1968 اصدرت إسرائيل قرارا يرمي إلى استملاك عدد من الأراضي والعقارات، من ضمنها أملاك تابعة لوقف الشيخ أبي مدين. رفض المغرب هذه الإجراءات، وقدم مذكرة احتجاج إلى إسرائيل، ورفض الدخول معها في مناقشات بخصوص التعويض، كما رفض اقتراحا إسرائيليا بمبادلة زاوية أبي مدين ومسجدها بعقارات إسرائيلية في حي الواد.
وكان قد سبق ذلك عام 1929، اندلاع ما سمي بـ«ثورة البراق»، والتي سقط فيها عدد من القتلى والجرحى من الفلسطينيين واليهود، وتشكلت على اثر ذلك لجنة بريطانية دعيت «لجنة شو» للتحقيق في حوادث البراق، وانبثقت عن هذه اللجنة بقرار منها، لجنة دولية أسندت إليها مهمة تقرير الحقائق والمطالب المتعلقة بحائط البراق، وقد شهد أمام اللجنة الدولية هذه، فلسطينيون ولبنانيون وعراقيون ومصريون وسوريون. انتهت اللجنة من وضع تقريرها في مطلع ديسمبر (كانون الأول) 1930، وخلصت فيه إلى استنتاجات حازت موافقة الحكومة البريطانية وعصبة الأمم معا، وأصبح التقرير بذلك وثيقة دولية هامة تثبت حق الشعب الفلسطيني في حائط البراق، وأهم هذه الاستنتاجات ما ورد في الفقرة الأولى من التقرير، وهي تقول «تعود ملكية الحائط الغربي إلى المسلمين وحدهم، ولهم وحدهم الحق العيني فيه لأنه يؤلف جزءا لا يتجزأ من ساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف. وتعود إليهم ايضا ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وامام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط، لكون الرصيف موقوفا حسب أحكام الشرع الإسلامي لجهات البر والخير».
وجاء في الفقرة الثالثة من التقرير ما يلي «لليهود حرية السلوك إلى الحائط الغربي لإقامة التضرعات في جميع الأوقات».
مؤسسة الاقصى تكشف: رصد مبلغ 5 مليون شيكل لهدم جدار باب المغاربة
|
دراسة لمؤرخ مصري تفند مزاعم اليهود حول حائط البراق
جاء في دراسة لمؤرخ مصري ان الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف لم تكن له اية اهمية دينية في اليهودية قبل نحو اربعة قرون حيث كان اليهود يصلون عند الحائط الشرقي للحرم قبل ان يتحولوا عنه بسبب هجمات البدو.
ويكشف الدكتور عادل
حسن غنيم استاذ التاريخ بجامعة عين شمس في دراسته التي يتضمنها كتاب صدر في
القاهرة ان السلطان العثماني سليمان القانوني هو الذي اصدر فرمانا يقضي بالسماح
لليهود بمكان محدد للصلاة عند الحائط الغربي.
ويقول غنيم
في كتابه (حائط البراق ام حائط المبكى) ان اليهود لم يظهروا في الماضي اي اهتمام
قط بالحائط الغربي فبعد ان اعيد بناء الهيكل للمرة الثانية في عهد هيرودس عام 40
قبل الميلاد "كان المكان جزءا من مركز تجاري ولم يكن له اهمية دينية. وان اليهود
كانوا يتجمعون للصلاة عند جبل الزيتون وعند بوابات الحرم."
ويضيف غنيم
نقلا عن مرجع امريكي "وعندما منعوا من دخول المدينة اثناء حكم الصليبيين كانوا
يصلون عند الحائط الشرقي للحرم غير ان تغيرا حدث... حيث كانت هجمات البدو سببا في
عدم تجمعهم للصلاة على جبل الزيتون فاتجهوا الى مساحة قرب الحائط الغربي للحرم
القدسي الشريف حيث اصدر سليمان القانوني فرمانا يسمح بمكان محدد لليهود للصلاة
عند الحائط الغربي."
ويقول غنيم
في دراسته "لم تكن تقام هناك بعد طقوس رسمية للعبادة غير ان اليهود كانوا يحبون
قضاء فترة ما بعد الظهيرة هناك يقرأون المزامير ويقبلون الاحجار.. وسرعان ما
اجتذب الحائط الغربي اساطير كثيرة حيث تم ربط الحائط بأقاويل من التلمود تخص
الحائط الغربي وهكذا اصبح الحائط رمزا لليهود."
والمرجع
الامريكي الذي اعتمد عليه غنيم في دراسته هو كتاب "القدس مدينة واحدة.. عقائد
ثلاث" لكارين ارمسترونج والذي ترجم الى العربية في عام 1998 .
ويذكر غنيم
ان مرجعا صهيونيا اخر يتفق مع ما ورد في المرجع الامريكي من ان سليمان القانوني
هو الذي سمح لليهود بمكان للصلاة عند الحائط الغربي للحرم القدسي.
ويقول ان
الموسوعة اليهودية الصادرة في القدس عام 1971 تقول ان "الحائط الغربي اصبح جزءا
من التقاليد الدينية في حوالي عام 1520 ميلادية نتيجة للهجرة اليهودية من اسبانيا
وبعد الفتح العثماني سنة 1517."
ويقول المؤلف
انه بعد ان قامت قوات محمد علي الذي حكم مصر في الفترة بين عامي 1805 و1848 بفتح
بلاد الشام ودخلت بيت المقدس اتبع سياسة التسامح مع اهلها وحاول تخفيف وطأة
الضرائب التي فرضها العثمانيون ونتيجة لذلك تمتع اليهود في القدس بالامن لدرجة
اعربوا فيها عن سعادتهم "بعدالة الدولة العلية المصرية."
ويضيف ان
اليهود حاولوا استغلال الظروف المواتية في تلك الفترة للحصول على مزيد من المزايا
وطالبوا بالسماح لهم بشراء الاملاك والاراضي الزراعية نظير دفع الضرائب والاموال
الاميرية الا ان محمد علي اصدر قرارا يحظر ذلك.
ويذكر المؤلف
ان ابراهيم باشا ابن محمد علي اعلن منذ بداية حكمه لولايات الشام مساواة جميع
الطوائف في المعاملات والحرية الدينية حيث تم الغاء كافة العوائد والمرتبات
والحراسة التي كانت تؤخذ من الاديرة المسيحية واليهود كما سمح لليهود بالاقتراب
من الحائط والبكاء عنده مقابل 300 جنيه انجليزي كانوا يسددونها سنويا لوكيل وقف
ابو مدين."
ووقف ابو
مدين هو ارض مجاورة للحائط الغربي من المسجد الاقصى وقفها الملك الافضل بن صلاح
الدين عام 1192 على الحجاج المغاربة حيث تم بناء منازل لهم فيها عرفت باسم حي
المغاربة ثم اطلق عليها فيما بعد اسم "ابي مدين الغوث" وتم توثيق الوقفية عام
1630 ميلادية.
وينقل غنيم
ايضا فقرات من تقرير لجنة دولية شكلتها عصبة الامم عام 1930 بناء على اقتراح
بريطانيا لبحث الحقوق والادعاءات المتعلقة بالاماكن المقدسة بشأن الحائط.
ويبدأ تقرير
اللجنة التي ضمت شخصيات دولية عديدة بفقرة تقول "للمسلمين وحدهم تعود ملكية
الحائط الغربي ولهم وحدهم الحق العيني فيه لكونه يؤلف جزءا لا يتجزأ من ساحة
الحرم الشريف التي هى من املاك الوقف وللمسلمين ايضا تعود ملكية الرصيف الكائن
امام الحائط وامام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط لكونه موقوفا
حسب احكام الشرع الاسلامي لجهات البر والخير."
ويشير المؤلف
الى ان اليهود لم يدعوا ملكيتهم للحائط امام اللجنة لكنهم طالبوا بحقهم في الدعاء
أمامه والى ان كتاب "الدولة اليهودية" لتيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية الذي
يتحدث فيه بالتفصيل عن كل النقاط المتعلقة بالدولة اليهودية المرتقبة لم يذكر
كلمة واحدة عن الحائط.
ويقول غنيم انه "لو
كان للحائط عند اليهود هذه الاهمية التي يتغنون بها الان لاشار اليها هرتزل ولو
مجرد اشارة."
وصدرت الدراسة التي تضم عددا من الوثائق المهمة حول الحرم القدسي في 115 صفحة من
القطع الصغير.
المصدر : وكالات 9/5/2001
ما الذي يجري عند حائط البراق والجدار الغربي للمسجد الأقصى؟!
|
ويستمر الاعتداء على المسجد الاقصى
|
مقتطفات من كتاب أمين الحسين عن حائط البراق
الفصل الخامس
حائط البراق الشريف في القدس
1 ـ مقدمة.
2 ـ نشاط الحاج أمين في حوادث 1928م.
3 ـ الحاج أمين والمسألة الإسلامية في حوادث 1929م.
4 ـ نشاط الحاج أمين الدولي.
5 ـ البعثة الدولية عن حائط البراق الشريف.
6 ـ خاتمه.
مقدمة
البراق هي الفرس التي ركبها النبي صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة الى المسجد الاقصى المبارك. قال تعالى «سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا، إنه هو السميع البصير»(1). وعندما وصل النبي الكريم نزل عن البراق وربطا قرب الحائط الغربي من سور المسجد الأقصى، وصلى هناك ثم صعد من الصخرة المشرفة الى السموات العلى، ثم رجع الى مكة المكرمة، كل ذلك حصل في ليلة واحدة. لذلك يطلق المسلمون على هذا الحائط الغربي من المسجد الأقصى حائط البراق الشريف(2)، في حين يطلق عليه اليهود حائط المبكى، معتقدين انه من بقايا هيكل سيدنا سليمان، ويسميه اليهود بلغتهم (KOTEL MORAVI).
وأما الساحة التي تقع الى القرب من الحائط فهي وقف اسلامي ترجع أصلا الى عائلة أبو مدين، وهناك وثائق محفوظة لدى المسلمين تثبت ذلك، وقد أبرزت الى لجنة شو(3). وكان اليهود يقفون على أراضي هذا الوقف للقيام بصلاتهم، وكان المسلمون قد سمحوا لهم بذلك منذ زمن. وكتب رونالد ستورز حاكم القدس الإنجليزي سابقا عن هذه البقعة التي تقع قرب الحائط بتاريخ31/10/1925م ما يلي: «من الناحية الشرعية والقانونية فانها جزء من ساح الحرم الشريف، وهي من الممتلكات الإسلامية، ويقع في مقابلها الى الغرب ممر عرضه6 ياردات، وكذلك العمار والممتلكات هي قسم من وقف أبو مدين الموجود في القدس»(4).
الهوامش
(1) سورة الإسراء، الآية رقم1، أرسل الحاج أمين رسالة الى جريدة التايمز The Times في 27/8/1929م وصف فيها أهمية الحائط وقداسته لدى المسلمين. أنظر: 67013/7/163/733 CO.
(2) تقرير لجنة شو. جاءت اللجنة لدراسة أسباب الحوادث لعام 1929م. يرمز الى تقرير اللجنة ب (3530 Cmd). أنظر صفحة 27 من التقرير.
(3) تقرير لجنة شو 3530 Cmd الحاج أمين الحسيني صفحة 27.
(4) أرشيف وزارة المستعمرات البريطانية ملف رقم 98/733CO. أنظر رسالة المندوب السامي الى سكرتير وزارة المستعمرات بتاريخ31/10/1025م مرفقة بها مذكرة رونالد ستورز بعنوان حائط المبكى.
نشاط الحاج أمين في حوادث 1928م
لم تحدث مصادمات بين اليهود والعرب في فلسطين قبل القرن التاسع عشر، ولم يمنع المسلمون اليهود من زيارة الحائط. ولكن فيما بعد حصلت حوادث بسيطة في عام 1839م وعام 1921م(1).
وكان محمد علي باشا والي مصر قد سمح لليهود بزيارة الحائط بحرية تامة(2)، وذلك عندما زحف ابراهيم باشا ابن محمد علي باشا من مصر الى سوريا مارا بفلسطين لمحاربة السلطان العثماني. وفي عام 1911م أصدر العثمانيون أمرا بمنع اليهود من جلب الكراسي، والمقاعد عند زيارتهم لأداء الصلاة.
وعندما خسرت تركيا الحرب العالمية الأولى، وأصبحت فلسطين تحت الإدارة الإنجليزية، بدأ الصهاينة في الحديث علنا عن مخططاتهم بأنهم سوف يحطمون المسجد الأقصى، ويبنون محله هيكلهم. وقد صرح الحاج أمين لجريدة «لي جيرنال Le Journal» في أيلول عام 1929م أنه في بداية الانتداب البريطاني على فلسطين كان البريطاني الصهيوني (ألفريد موند) المعروف باللورد ملتشت قد قال:
«إن إعادة بناء المعبد اليهودي قد اقترب موعده، وسوف أكرس بقية حياتي لبناء المعبد محل المسجد الاقصى»(3). ولذلك احتج مفتي فلسطين للمندوب السامي على تصريح موند الذي ألقاه في القصر الملكي في كنجتون بلندن.
وحاول الصهاينة عدة مرات شراء هذه البقعة من الوقف، ولكنهم فشلوا بسبب معارضة الحاج أمين، والمسلمين معه، ومحاولات الصهاينة هذه مسجلة في وثائق، فمثلا كتاب السير وندهام ديدس ممثل المندوب السامي الى سكرتير وزارة المستعمرات بتاريخ8/6/1922م قال: «أذكر انه في عام 1918م حاول الصهاينة المفاوضة لشراء هذه البقعة، ولكن محاولاتهم لاقت معارضة شديدة، وغضبا من المسلمين»(4).
وكان الإنجليز واليهود يعلمون أن أراضي الأوقاف الاسلامية ليس مسموحا بيعها، وعلى الرغم من ذلك حاول الصهيوني وايزمن في عام 1918م بعد مشاورات مع رونالد ستورز تجربة شراء أراضي وقفية، ولكن ستورز نصح وايزمن بأن «لا يتكلم عن شراء اراضي الوقف في الوقت الحاضر، بل يترك ذلك للمستقبل»(5) خوفا من غضب المسلمين.
ويتضح انه على الرغم من سماح الحكومات الإسلامية المتعاقبة على إدارة فلسطين بزيارة اليهود للحائط والوقوف على أراضي الوقف الاسلامي للصلاة، فقد استغل اليهود ذلك، وأخذوا في جلب الكراسي، والمقاعد، والطاولات، والمصابيح، والاستقرار على أراضي الوقف، لذلك خاف المسلمون من أن يعبر اليهود في المستقبل هذه الأرض لهم وخافوا ايضا من ان يبني اليهود على هذه البقعة معبدا يهوديا لهم(6)، لا سيما أنه في بداية الانتداب البريطاني بدأ اليهود والصهاينة في تصريحاتهم بالكشف عن نواياهم، وهي محاولة السيطرة على جميع البقاع الإسلامية الوقفية وغيرها، لذلك عمل الحاج أمين، والمسلمون الفلسطينيون على إيقاظ الشعور، والوعي الإسلامي العالمي للتنبه، ودرء الخطر الصهيوني الذي يحاول السيطرة على المقدسات الإسلامية.
وأصدر المسلمون في فلسطين نداء الى الأمة الإسلامية في 15/7/1922م بهذا الشأن، ونبهوا المسلمين في العالم من خطر محاولة سيطرة اليهود على المسجد الأقصى، وبناء معبد لهم محله(7). وعلم المفتي ان افضل مكان لإيقاظ الشعور الاسلامي هو مكة المكرمة أثناء وقت الحج، فذهب وفد فلسطيني الى الحجاز، ووزع كتيبا بعدة لغات يتضمن النداء، ويوجد على الغلاف صورة المسجد الاقصى وعليه العلم الصهيوني لكي يفهم المسلمون ان الصهاينة ينوون أخذ المسجد الأقصى المبارك(8)، وأصدر الوفد الفلسطيني والوفد المصري في مكة المكرمة فتوى تنص على الدفاع عن المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية الأخرى، وأرسل الوفد المشترك المصري ـ الفلسطيني برقيات تضمنت فتواهم الى كل من الملك حسين في الحجاز، والملك فاروق في مصر والسلطان التركي، والملك فيصل في العراق وشاه إيران، وطلبوا في برقياتهم من الزعماء المسلمين ان يتخذوا خطوات هامة لحماية المسجد الأقصى المبارك(9).
وكان اليهود زمن العهد العثماني قد حصلوا على طلبهم الهام، وهو زيارة الحائط، ولكن لم يسمح لهم وضع أي شيء على أراضي الوقف، واستمرت هذه الحالة حتى في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين(10)، وحاول الإنجليز الاستمرار في الوضع الراهن، والتقيد بالمادة 13 والمادة 14 من صك الإنتداب على فلسطين التي ذكرت عن الأماكن المقدسة وضرورة الحفاظ عليها. فمثلا ذكرت المادة 13 أنه على الإنجليز أو أي جهة أخرى عدم التدخل في الأماكن، والأمور الإسلامية المقدسة وأنه يجب الحفاظ على الوضع الراهن كما كان ذلك زمن الحكم العثماني(11). ولكن بسبب مخافات اليهود، وعدم تقيدهم بالحفاظ على الوضع الراهن، أرسل المفتي عدة رسائل احتجاج الى كل من المندوب السامي والسكرتير العام وحاكم القدس. فمثلا جاء في رسالته التي أرسلها الى حاكم القدس بتاريخ 28/9/1925م ما يلي «بلا شك أنتم تعلمون سيادتكم ان اليهود حاولوا مرات عديدة مخالفة الأنظمة الخاصة بالبراق الشريف، ووضعوا هناك الكراسي الخشبية، والمقاعد، والآن أعاد اليهود الكرة مرة ثانية علنا، وهذا العمل أزعج الشعور الإسلامي»(12). وطلب المفتي من المندوب السامي ان يوصل شكواه الى عصبة الأمم، واقترح ان تشكل عصبة الأمم لجنة خاصة لدراسة الوضع (13)، ثم وصلت احتجاجات المفتي الى وزير المستعمرات بواسطة المندوب السامي، لذلك أرسل الوزير رسالة الى المنظمة الصهيونية بتاريخ4/12/1925م قائلا للصهاينة «إنه استلم رسالة من المندوب السامي بلومر الذي ذكر ان حائط المبكى بصفته جزءا من الحرم الشريف فهو شرعيا من أملاك المسلمين»(14)، واضاف سكرتير الدولة البريطاني في رسالته للصهاينة أنه يذكرهم أنهم كانوا زمن الدولة العثمانية غير مسموح لهم بجلب كراسي، ومقاعد الى الحائط ونصحهم أن يسيروا على هذا النهج وهو المحافظة على الوضع الراهن كما كان زمن الأتراك.
وعلم الإنجليز بمخالفات اليهود المتمثلة بجلبهم الكراسي والمقاعد وغيرها ووضعها على أراضي الوقف، وعدم احترامهم الشعور الإسلامي، ولكن اليهود تمادوا في التحدي فأهانوا وضربوا بعض المراكشيين، سكان تلك المنطقة في حي باب المغاربة في القدس(15)، لذلك سارع المفتي وأخبر المندوب السامي بالحادثة، وطلب منه أن يتخذ الخطوات السريعة لتأديب اليهود، وإذا لم يقم الإنجليز بذلك فان اللوم من قبل المسلمين سيقع على المفتي، لأنه حامي المقدسات الإسلامية، فعليه إذا تدبر الأمور. وبعد ان شكى المغاربة الى المفتي قام مسؤول أوقاف أبو مدين برفع شكوى الى ممثل حاكم القدس، وأخبره ان اليهود جاؤوا باعداد كثيرة الى الحائط ووضعوا حاجزا يفصل بين النساء والرجال، كما يفعل اليهود في معابدهم، وربطوا الحاجز (الذي وضعوه على أراضي الوقف) بالحائط(16). وشكى المسلمون من هذا التصرف اليهودي، فذهب كيث روش ـ ممثل حاكم القدس ـ وزار المنطقة، فشاهد فعلا الحاجز، ومخالفات اليهود قرب الحائط، وهذه أول مرة يفعلها اليهود، ولم يضع اليهود حاجزا مثل هذا من قبل(17)، لذلك أمر كيث روش البوليس في اليوم التالي بازالة الحاجز، فغضب اليهود لذلك، واتهموا الحاج أمين بأنه وراء تحريض روش على ذلك، واتهموه أيضا بالهاب شعور المسلمين في فلسطين، وخارجها ضد اليهود(18).
وأرسل المسلمون رسالة احتجاج بتاريخ30/9/1928م الى المندوب السامي ذكروا فيها التحديات الصهيونية، وأفهمه أن القدس مقدسة لدى المسلمين كمكة والمدينة المنورة(19). وبعد ان أزال البوليس الحاجز، والكراسي، والمقاعد، التي وضعها اليهود، علقت السلطات البريطانية على هذا الحادث الفريد من نوعه بالنسبة للحائط فقالت: «إن تدخل البوليس في حادث الحائط كان ضروريا، لمنع الحوادث المتوقعة بين المسلمين أصحاب تلك البقعة الشرعيين، وبين اليهود الذين حضورا، وجلبوا معهم على غير عادتهم الكراسي والمقاعد وغيرها»(20). وعلق هاري لوك على ذلك قائلا إن الحل لمنع الحوادث في المستقبل، هو التفاهم بين العرب واليهود وإرسل لجنة لدراسة الوضع، وحل النزاع من قبل عصبة الأمم حسب البند 14 من قرارات العصبة فيما يخص الانتداب»(21).
وبعد هذا الحادث بدأ المفتي وشيوخ المسلمين اتباع خطة جديدة لحماية الأقصى، فأسسوا جمعية تدعى «جمعية حماية البراق الشريف»(22). وكان اليهود قد أسسوا جمعية تدعى «جمعية أنصار حائط المبكى»(23)، ونشرت الجرائد العربية مقالات تؤيد الجمعية الإسلامية لحماية البراق الشريف، وشجعت أعضاء الجمعية على السهر على حماية المقدسات الإسلامية والعربية كلها.
وكان المسلمون يراقبون من نوافذهم التي تشرف على الحائط، المصلين اليهود خوفا من مخالفتهم «الوضع الراهن» كما كان زمن الدولة العثمانية(24).
وقد انتقل المفتي من بيته الذي يقع خارج القدس ليسكن في بيت يشرف على الحائط مباشرة(25)، وكان المفتي يهدف من هذا العمل:
أولا: مراقبة اليهود في حالة إذا خالفوا الوضع كما كان سابقا.
وثانيا: لكي يظهر للصهاينة والإنجليز، أنه حامي المقدسات الإسلامية، ومستعد لبذل روحه في سبيل الحفاظ على الحائط إذا لزم الأمر.
وقدم المفتي مذكرة أثناء الاجتماع الذي عقد بين المسلمين والإنجليز في 8/10/1928م، وحضر الاجتماع عن المسلمين الحاج أمين، وروحي بك عبد الهادي، وعن الجانب الإنجليزي المندوب السامي، والسكرتير العام، وهاري لوك، وجاء في مذكرة المفتي ما يلي: «إن الدعاية اليهودية القوية المنتشرة في بريطانيا هدفها التاثير على حكومة لندن، والدول الأخرى، وعلى عصبة الأمم، في محاولة لحصول على ملكية الحائط الغربي من المسجد الأقصى، الذي هو البراق الشريف. والملاحظ ان اليهود جربوا ذلك مرارا بدون توقف، لذلك يعتقد المسلمون ان هدف اليهود هو السيطرة التدريجية على المسجد الأقصى، لأن اليهود يظنون انه معبدهم، فهم يريدون إذا السيطرة أولا على حائط البراق الشريف الذي هو جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك»(26).
وفي هذه المذكرة عبر المفتي عن شعوره وشعور المسلمين للإنجليز، فما كان من المندوب السامي إلا ان طلب من المفتي ان يهدىء من روعه، وان يهدىء الشعور الإسلامي عن طريق الكتابة في الجرائد المحلية(27).
ووافق المفتي على ذلك ولكنه طلب بالمقابل ان تسكت الجرائد الصهيونية أيضا، فاستعد المندوب السامي لتنفيذ ذلك، وأكد للمفتي ان الإنجليز يعلمون ان وقف أبو مدين هو من الأملاك الإسلامية(28)، ثم قال المفتي للإنجليز ان الحائط الغربي من الحرم الشريف (البراق الشريف) مقدس لدى مسلمي العالم، وقد حماه العرب باقامة مدارس، زوايا دينية حوله، وجعل كل الأراضي المحيطة به وقفا إسلاميا(29). ثم حذر المفتي من أن السكوت عن هذه المسألة الدينية الحساسة، سيؤدي الى عدم رضا المسلمين(30).
واقترح الحاج أمين تشكيل لجنة من قبل عصبة الأمم، لدراسة الحالة، وذلك وفقا للبند 14 من قرار عصب الأمم الخاص بالانتداب على فلسطين، ووافق هاري لوك على ذلك وبعث رسالة الى سكرتير الدولة البريطانية في 3/11/1928م مؤيدا اقتراح المفتي(31)، ثم أشار الحاج أمين الى لوك بأنه إذا استمر اليهود في دعايتهم للسيطرة على البراق الشريف، والأوقاف الإسلامية الأخرى، فانه سوف يبدأ في تنبيه المسلمين في العالم الى محاربة اليهود والإنجليز معا(32)، وأبان المفتي الى لوك أيضا انه استلم مجموعة رسائل من المسلمين خارج فلسطين، تحتج على أعمال اليهود، وأن رسالة هامة وصلته من حسين باشا الطراونة في الأردن، ومن شيوخ آخرين من بني صخر تؤيد المفتي(33)، وتحتج على الأعمال اليهودية.
وكان المفتي يحث الإنجليز دائما على اتخاذ موقف صلب لمنع اليهود من مخالفة الوضع الراهن واعتقد أنه إذا لم يتخذ الإنجليز موقفا صلبا، فان اليهود سوف يتمادون في أعمالهم العدوانية على حائط البراق الشريف، لذلك بعث رسائل الى كل من ملك بريطانيا، ووزير المستعمرات البريطانية بتاريخ10/10/1928م حثهم على استعمال تأثيرهم لوقف تحدي اليهود للمسلمين، وإذا اتخذ الإنجليز هذا الموقف الصلب ولم يتراخوا فانه يستطيع أن يؤثر هو نفسه على المسلمين في فلسطين ليهدىء من روعهم(34).
وأما إذا استمر اليهود في هذا التحدي فانه مصمم على مضاعفة جهوده لحث العالم الإسلامي للوقوف صفا واحدا امام هذه التحديات.
وترأس الحاج أمين مؤتمرا إسلاميا عقد في القدس بتاريخ1/11/1928م حضره 700 مندوبا من الأردن، وسوريا، ولبنان، وفلسطين، وبحث المؤتمر مسالة حائط البراق الشريف، وقرر تشكيل منظمات لحماية المسجد الأقصى(35)، وقرر المؤتمرون أنه إذا استمر اليهود في مخالفة الوضع الراهن، وتحديهم للمسلمين، فان المسلمين مضطرون لمنعهم بالقوة من الدخول الى الحائط لاداء صلاتهم، ولن يسمحوا لهم بالوقوف على اراضي الوقف، وإقامة الصلاة هناك كالسابق(36).
وهكذا نجح المفتي في جعل اسم القدس على لسان كل مسلم في العالم الإسلامي، ولذلك شعر الإنجليز بأن المفتي والمسلمين في فلسطين قد حولوا مسالة الحائط من مسألة دينية الى مسألة دينية وسياسية معا(37).
وقام اليهود ورفعوا شكوى الى عصبة الأمم ضد المفتي، والمجلس الإسلامي الأعلى، بسبب «النشاط الإسلامي الذي ازداد ضدهم» فقام المفتي، بدوره وأرسل رسالة الى عصبة الأمم، طالبا الحفاظ على الحقوق الإسلامية، وذلك بالبقاء على الوضع الراهن، كما كان في عهد الدولة العثمانية، ثم ارسل رسائل الى إحسان الجابري ورياض الصلح، وشكيب أرسلان، في جنيف لكي يدافعوا عن الحقوق الإسلامية «ضد الأباطيل اليهودية، ومطالبهم غير الشرعية»(38). لذلك قرر الإنجليز ارسال لجنة لدراسة الوضع جديا فتقرر في 19/11/1928م إرسال لجنة شو التي على أثرها صدر الكتاب الأبيض فيما بعد، ومما جاء في تقرير اللجنة «ان الحائط الغربي للمسجد الأقصى هو من أملاك المسلمين، وهذا مثبت في وثائق»(39)، واضافت اللجنة ان تخوفات العرب تخوفات دينية، واقتصادية، وسياسية.
وجاء مولانا محمد علي الزعيم الهندي المسلم من الهند بعد هذه الحوادث التي حدثت في فلسطين عام 1928م ليزور فلسطين وذلك بدعوة من الحاج أمين الحسيني(40)، وعندما وصل الى جسر بنات يعقوب، منعه الإنجليز من الدخول الى فلسطين، فرجع الى سوريا غاضبا، فاحتج المفتي على هذا العمل الإنجليزي، وذهب الى المستر لوك ليتدخل في لأمر، ولاحظ لوك أنه اذا تحقق فعلا فشل دخول محمد علي الى فلسطين فان مسلمي الهند سوف يثورون على الإنجليز، لذلك وافق الإنجليز على طلب الحاج أمين الحسيني، ودخل مولانا محمد علي الى فلسطين وصلى في المسجد الأقصى(41).
وعقد المسلمون في بومبي في الهند بعد ذلك مؤتمرا اسلاميا في نهاية عام 1928م، وحضر المؤتمر 35 مندوبا عن جمعياتهم، ونواديهم الإسلامية، وبحثوا في المؤتمر مسألة البراق الشريف، وترأس المؤتمر مولانا خان بهادور محمد اسماعيل الذي أبرق من المؤتمر برقيتين قال فيهما ان المسلمين في الهند قد تأثروا بحوادث عام 1928م وانهم رهن اشارة المفتي، ومستعدون للجهاد والقيام بالدفاع عن البراق الشريف متى أراد ذلك المفتي(42)، لذلك أصبح موقف الإنجليز حرجا في شبه القارة الهندية نتيجة حوادث عام 1928م المتعلقة بالبراق الشريف في القدس.
الهوامش
(1) Vincent Sheean: Personal History. Doubieday, Doran and Company, lnc. , N.Y., 1934. P. 349.
(2) محمد عزة دروزة: تسعون عاما في الحياة. لم ينشر دروزة كتابه بعد. صفحة 191م.
(3) جريدة الجامعة العربية23/9/1929م، كانت تصدر هذه الجريدة بفلسطين. محررها منيف الحسيني. وأنظر أرشيف وزارة المستعمرات البريطاني ملف رقم4/733CO.
(4) الأرشيف البريطاني، رقم الملف 22/733 CO رسالة في 8/6/1922م «سري».
(5) الأرشيف البريطاني، رقم الملف 98/733 CO. وانظر أيضا رسالة الحاج أمين الى جريدة التايمز الصادرة في 28/8/1929م، إذ كتب ان اليهود حاولوا في عام 1919م من خلال ستورز ان يشتروا كل أماكن الوقف بأي سعر يحدده ستورز. وكان الصهاينة مستعدون لدفع 80.000 جنيها وانظر ايضا الأرشيف البريطاني ملف رقم:
44051/2/132/733CO وملف رقمCO733/182/9/77050. A.
(6) Vincent Sheean: Personal History. P. 349.
(7) أكرم زعيتر: وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية 1918 ـ 1939م. مركز الدراسات الفلسطينية وثيقة رقم 97 صفحة 193. وانظر ايضا التقرير السياسي في الأرشيف البريطاني في 4/8/1922م، صفحة E، رقم الملف 24/733CO.
(8)الأرشيف البريطاني ملف رقم 24/733CO. التقرير السياسي المؤرخ في 4/8/1922 مE .
(9) مجلة فلسطين. مجلد XI رقم13 بتاريخ12/8/1922م مركز الدراسات الشرقية والإفريقية في لندن (S.O.A.S).
(10) Robert John and Sami Hadawi: Palestine Didry 1914 - 1945, Vol, 1, New World Press. N. Y. 1970.
(11) League of Nations, Mandate for Palesrine, Parliamentary Papers, 1923, vol. XXV, P. 421. Presented to Parliament December, 1922. Cmd 1785.
(11) الأرشيف البريطاني ملف رقم 98/733CO. أنظر رسالة الحاج أمين حاكم القدس موضوعها حائط المبكى. أرسل المفتي عدة رسائل احتجاج مؤرخة في اوقات مختلفة تواريخها هي: 19/2/1922م، و8/1/1923م و28/9/1925م و7/6/1926م و20/7/1926م و4/8/1926، و8/1/1923 و15/1/1928م و24/9/1928م و2، 4، 6/10/1928م و27/12/1928م.
(13) المصدر نفسه.
(14) الأرشيف البريطاني ملف رقم 98/733 CO من سكرتير الدولة البريطانية الى المنظمة الصهيونية بتاريخ 4/12/1925م.
(15) عبد الوهاب الكيالي: وثائق المقاومة الفلسطينية. وثيقة رقم 50، مركز الدراسات الفلسطينية ـ بيروت 1968م.
(16) تقرير لجنة شو، 3530 Cmd، صفحة 106.
(17) Norman and Bentwich: Mandare Memoirs. The Hogarth Press. London, 1965, P. 1318
(18) المصدر نفسه.
(19) الارشيف البريطاني ملف رقم 57540/17/733 CO القسم الثاني Part 11.
(20) Fannie Fern Andrews: The Holy Lond Under Mandate. Vol. 1. Houghton Mifflin Co., Boston, 1931, P. 225 - 6 وانظر ايضا مذكرة سكرتير الدولة البريطاني للمستعمرات بعنوان «الحائط الغربي أو المبكى في القدس» تشرين الثاني 1928م رقم 3229. Cmd صفحة 32.
(21) الأرشيف البريطاني ملف رقم 57540/17/160/733 CO القسم الثاني Part 11.
(22) تقرير لجنة شو 3530 Cmd صفحة 32.
(23) محمد عزة دروزة: تسعون عاما في الحياة.
(24) نورمان بنتويش: ذكريات الانتداب. صفحة 131.
(25) مقابلة مع زينب الحسيني ابنة الحاج امين بتاريخ12/6/1980م في القدس.
(26) تقرير لجنة شو، صفحة 31 (Cmd 3530).
(27) الأرشيف البريطاني ملف رقم: CO733/160/17/57540 Part 11.
(28) المصدر نفسه.
(29) Fannie Fern Andrews: The Holy Land Under Mandate. P. 234.
(30) المصدر نفسه.
(31) الأرشيف البريطاني ملف رقم. CO 733/160/17/57540/ Part 11.
(32) جريدة الجامعة العربية عدد 172 بتاريخ11/11/1928م.
(33) الجريدة نفسها عدد رقم 174 بتاريخ18/10/1928م.
(34) جريدة الجامعة العربية، عدد رقم 176 بتاريخ25/10/1928م.
(35) أوراق تيجارت الخاصة محفوظة في جامعة سانت أنطوني في أكسفورد. صندوق رقم1 ملف رقم 38، وانظر ايضا تقرير لجنة شو صفحة 32.
(36) محمد عزة دروزة ـ تسعون عاما في الحياة، صفحة 148م.
(37) Fannie Fern Andrews: The Holy Land. P - 24.
(38) جريدة الجامعة العربية عدد رقم 180 بتاريخ8/11/1928م وكذلك عدد 183 بتاريخ 19/11/1928م.
(39) The Western or wailing Wall Declaration. Cmd. 3229. P. 107.
(40) جريدة الجامعة العربية عدد رقم184 بتاريخ22/11/1928م.
(41) جريدة الجامعة العربية عدد رقم181 بتاريخ12/11/1928م وكذلك عدد 184 بتاريخ 22/11/1928م.
(42) جريدة الجامعة العربية عدد رقم196 بتاريخ 3/1/1929م.
الحاج أمين الحسيني والمسألة الإسلامية في حوادث عام 1928م
جرب الإنجليز بعد حوادث عام 1928م التوصل الى اتفاق بين المسلمين واليهود حول مسألة حائط البراق الشريف، ولكنهم فشلوا، لذلك اتبع الإنجليز خطة جديدة في بداية عام 1929م فقرروا معرفة هل هناك حق لليود لجلب كراسي ومقاعد معهم الى الحائط؟ لذلك طلب المندوب السامي من كل من المفتي والحاخام اليهود إبراز وثائق تثبت أو تنفي جلب هذه المقاعد للجلوس قرب الحائط زمن الدولة العثمانية(1). فقدم الحاج أمين الوثائق اللازمة التي تمنع اليهود جلب أي شيء معهم في حين تأخر الحاخام اليهودي في تقديم أي جواب أو إبراز أي وثيقة للمندوب السامي(2).
وضاق المفتي ذرعا بسبب هذا التأخير اليهودي في الرد فطلب من المندوب السامي ألا يستمر السكوت على هذا التأخير، فما كان من المندوب السامي إلا أن أعطى اليهود مهلة حتى15/5/1929م لرد الجواب. وبسبب هذا التأخير اليهودي قال المفتي للمندوب السامي، إن اليهود لا توجد عندهم أي وثيقة تؤيد دعواهم(3).
فقال المندوب السامي للمفتي «ربما يكون كلامك صحيا يا حاج أمين، ولكني طلبت من الصهاينة أن يجيبوني هذه الليلة»(4). فجاء الحاخام وقدم جوابه للمندوب السامي شفهيا بدون وثائق، فطلب المندوب السامي من الحاخام أن يقدم آراءه كتابة بدلا من سردها شفاهة، وان يكون آخر موعد لذلك حتى 25/5/1929م(5)، لتقديم وثائق إن وجدت.
وعلى الرغم من أن الإنجليز أصدروا الكتاب الأبيض الذي نص على الحقوق الإسلامية في حائط البراق الشريف وما حوله وانها من الأوقاف الإسلامية، إلا أن اليهود استمروا في مخالفة الوضع الراهن (Status Quo)، لذلك طب المفتي من المندوب السامي تطبيق ما جاء في الكتاب الأبيض، ولكن المندوب السامي قال للمفتي أنه لا يستطيع ذلك في الوقت الحاضر إلا عندما يصدر سكرتير الدولة البريطانية قرارا بضرورة تنفيذ الكتاب الأبيض(6)، وخلق اليهود مشكلة أخرى في نهاية عام 1928م، إذ قدموا احتجاجاتهم الى المندوب السامي ضد المفتي، لأنه شرع في عمل بناء داخل سور الحرم الشريف، وقالوا في احتجاجاتهم ان هذا البناء سوف يسمح للمسلمين بالنظر الى الأسفل ولذلك يستطيعون مشاهدة المصلين اليهود. ثم قدموا شكوى أخرى على صوت المؤذن في المسجد الأقصى لأنه على حد قولهم «يزعج المصلين اليهود». وأخبر المندوب السامي هذه الشكاوى اليهودية للمفتي فأجابه المفتي ان احتجاجات اليهود وكلامهم غير منطقي وغير صحيح، لأن البناء داخل السوء أقل ارتفاعا من سور الحرم القديم(7). ثم قام الإنجليز بتقديم شكاوى اليهود الى هيئة المحامين المتخصصين في الدولة البريطانية، وطلب المندوب السامي من الحاج أمين وقف مشروع البناء داخل الحرم مؤقتا ريثما يتم النظر في شكاوى اليهود(8).
وكتب المندوب السامي الى حكومته في لندن بأن المفتي «وافق على وقف البناء داخل الحرم مؤقتا، ليس خوفا من اليهود أو لأن اليهود لهم حق في ذلك، بل اوقف البناء بسبب صداقته الشخصية مع المندوب السامي فقط»(9).
وعندما اراد المفتي فيما بعد إكمال البناء، طلب منه المندوب السامي أن يصبر قليلا حتى يأتي ارد من لندن(10)، فقال المفتي أنه يخاف اذا لم يسمح له باكمال البناء ان يتخذ اليهود ذلك ذريعة وحجة لهم في المستقبل(11)0
ولكن في 11/6/1929م قام المندوب السامي وأخبر المفتي انه بناء على توصية «هيئة المحامين للدولة البريطانية» وبعد دراسة شكاوى اليهود، وبعد استلامه الرد من سكرتير الدولة البريطانية فانه يسمح للحاج أمين بمتابعة البناء داخل الحرم الشريف وان الشكاوى اليهودية باطلة(12). وعندما شرع المفتي في إكمال البناء داخل الحرم، بدأت الجرائد الصهيونية تتهجم وتحتج على القرار البريطاني الذي يسمح للمفتي متابعة البناء داخل الحرم، وأهم هذه الجرائد جريدة دور هايوم وذلك بتاريخ22/7/1929م. ثم عقد الصهاينة مؤتمرا له في زوريخ استمر من 28/7/192.م حتى 11/8/1929م وبحثوا فيه مسألة الحائط، لذلك عقد المسلمون مؤتمرا لهم في القدس بتاريخ2/8/1929م ردا على مؤتمر زوريخ.
وبعث المفتي رسالتين بتاريخ3/8/1929م، كانت الأولى الى المندوب السامي، وكتب فيها منبها الى أن الأحوال تسير من سيء الى أسوأ بسبب مخالفات اليهود حول الحائط وبسبب كتاباتهم في الجرائد الصهيونية التي أخذت تشجع اليهود على تحدي المسلمين(13).
وكانت الرسالة الثانية مرسلة الى دار الحكومة في القدس محتجا على تطاول اليهود، وتعديهم على بعض المغاربة الذين يسكنون قرب الحائط في حي المغاربة عندما كانوا في طريقهم الى بيوتهم وفي اليوم التالي أي في 4/8/1929م بعث المفتي رسالة الى وزارة المستعمرات طالبا من الإنجليز تطبيق ما جاء في الكتاب الأبيض، وهدد بأنه إذا اغفلت بريطانيا وأغمضت العين عن تطبيقه، فان المسلمين في أنحاء العالم الاسلامي سيثورون لأن اليهود زادوا في تحدياتهم لا سيما بعد مؤتمر زوريخ(14).
وجاء روتنبرغ اليهودي مدير شركة كهرباء القدس، واخبر هاري لوك في 8/8/1929م أن الصهاينة سوف يتقدمون في مظاهرة كبيرة بتاريخ15/8/1929م حول الحائط(15).
ثم كتبت جريدة دورهايوم في 12/8/1929م مقالا بتوقيع منظمة «أنصار حائط المبكى» تشجع اليهود على الثورة(16)، وبالمقابل فقه انتبه المسلمون، ونشطت المنظمة الإسلامية، «جمعية حراسة المسجد الأقصى» فخطب الشيخ سعد الدين الخطيب والشيخ موسى العيزراوي في خطبة يوم الجمعة حثوا المسلمين على تأييد المنظمة الإسلامية(17)، ويعني بذلك الاستعداد للدفاع بالروح، والدم عن المقدسات الاسلامية.
وتظاهر اليهود في تل أبيب، وكانت مظاهراتهم مكونة من 600 شابا من مدرسة Lemel في 14/8/1929م وقرروا الذهاب في اليوم التالي الى القدس حيث دار الحكومة اولا ثم التقدم من هناك الى الحائط(18). وقد خدع الإنجليز مفتي فلسطين حينما قالوا ان اليهود سوف يأتون الى الحائط بهدوء ومن دون إزعاج أو مظاهرات(19). وطلب الإنجليز من المفتي ان يكون السكان المغاربة الذين يسكنون قرب الحائط هادئين، ولكن اليهود عندما وصلوا الحائط هتفوا «الحائط حائطنا» ورفعوا العلم الصهيوني(20)، وعندما رآى المفتي المظاهرة وسمع الهتاف، أيقن ان «هؤلاء اليهود جاءوا للتظاهر والإزعاج لا للصلاة»(21). وعلى الرغم من ذلك فقد أصدر المفتي أمره للمسلمين في ذلك اليوم بالتحلي بالصبر(22). ووصف صحفي أجنبي هذه المظاهرة قائلا إنها إهانة للمسلمين، وقال إن شباك بيت المفتي المشرف على الحائط كان مقفلا في السابعة والنصف حتى لا يرى المتظاهرين يترنحون(23).
وقام المسلمون في اليوم التالي في 16/8/192.م بمظاهرة أكبر ردا على المظاهرة اليهودية إذ اشترك في المظاهرة الإسلامية حوالي 2000 مسلما، وكان المخططون لهذه المظاهرة الشيوخ، والمسلمون من أعضاء المجلس الإسلامي الأعلى(24) لذلك طلب هاري لوك من المفتي ان يستعمل نفوذه، وبركته لمنع هذه المظاهرة(25)، ولكن المفتي تظاهر بأنه لم يسمع لوك ثم تباطا في السير الى الحرم فوصله متأخرا، أي في الوقت الذي كان المتظاهرون قد ساروا فيه الى الحائط(26).
وأخطأ الإنجليز، لأنه سمحوا لليود بالقيام بمظاهراتهم حول الحائط، وذلك قبل احتفالات عيد المولد النبوي الشريف بيوم واحد(27)، وهذا يعتبر إهانة للمسلمين، ولا سيما أن المفتي قال للوك إن آلاف المسلمين سوف يأتون الى القدس للصلاة وللمشاركة في احتفالات عيد المولد النبوي(28)، وكان المسلمون يحتفلون كل عام بمناسبة هذا العيد، وكان الإنجليز يعلمون ذلك، وصادف هذا العيد في عام 1929م يومي 17.16/8/1929م(29)، لذلك كان الأسبوع من 16/8 الى 23/8/1929م مليئا بالغليان والاستعداد عند كل من المسلمين واليهود.
وقد حاول المفتي مغادرة فلسطين الى سوريا قبل بدء ذاك الأسبوع، وذلك لقضاء إجازته في دول إسلامية مختلفة، كما ذكرت بعثة شو التي جاءت الى فلسطين لتحقيق في تلك الحوادث، التي انفجرت في 23/8/1929م، ومما جاء في التقرير الذي أعلنته لجنة شو: ما يلي:
«قال المفتي ان قصده كان قضاء إجازته بعد 16/8/1929م وقد حصل سكرتيره على تأشيرات مختلفة على جواز سفره، ولكنه لم يستطع الحصول على تأشيرة لزيارة سوريا، لان سكرتيره وصل القنصلية الفرنسية (في القدس) في الوقت الذي كانت القنصلية قد انهت عملها في ذلك اليوم. وقال المفتي إنه في 17/8/1929م قرر إلغاء إجازته نهائيا بسبب الحالة التي وصلت اليها فلسطين»(30).
وجاء آلاف المسلمين في 23/8/1929م للصلاة في المسجد الأقصى، وكانوا يحملون معهم العصي، والسياط، والخناجر، فسأل الميجور سانديرز المفتي قائلا: لماذا يحمل المصلون هذه الأشياء؟ فأجابه المفتي: إن المسلمين يخافون وقوع حوادث واعتداءات مشابهة لحوادث الاسبوع السابق، وأضاف مؤكدا له ان المسلمين لن يكونوا هم البادئين في العدوان إلا اذا هوجموا(31). وحاول المفتي وبعض الشيوخ في 23/8/1929م، أي في يوم الإنفجار بين العرب واليهود، تهدئة المسلمين، فقام أحد أفراد الجمهور الى المنصة وصاح بأن لا يسمع الجمهور كلام هؤلاء الشيوخ، لانهم غير مخلصين لدينهم الإسلامي(32).
هذا يدل على مدى هياج الناس، ومحاولتهم الانتقام. ثم انتشرت الحوادث والمعارك في 23/8/1929م في مدن فلسطين كلها بين العرب واليهود، ولم يستطع المفتي إخماد المعارك، لانه اذا حاول ذلك فانه إما ان يهان وإما ان يقتل من قبل المسلمين. ووصف الصحفي الأجنبي أرنست شين في مقالة له هذه الحوادث بأن الأراضي المقدسة أصبحت عبارة عن جهنم(33)، وقد أعطى الإنجليز اسلحة لليهود، وهم ستين يهوديا متقاعدا وأسلحة أخرى ليهود آخرين، وعندما سمع المسلمون خارج فلسطين عن هذه الحوادث بين العرب واليهود حاول متطوعون عرب بأسلحتهم الدخول الى فلسطين للدفاع عن المقدسات الإسلامية، ولكنهم منعوا من ذلك(34). ثم بدأ المسلمون في فلسطين يرسلون برقيات، ورسائل لطلب المساعدة من المناطق العربية المجاورة لفلسطين، ولكن المندوب السامي والإنجليز منعوا وصول كثير من هذه البرقيات والرسائل الى أصحابها، فكتب المندوب السامي الى سكرتير الدولة البريطانية لوزارة الخارجية في 30/8/1929م: «سلمت برقية الى بريد نابلس لإرسالها الى الخارج، ولكني أوقفت هذه البرقية بطريقة ما، ولكن اشعرت المرسل بطريقة ما أنني قمت بارسالها الى الخارج»(35).
وكان المندوب السامي جون نشانسيلور في لندن عندما بدأت الحوادث في فلسطين، ولكنه رجع لفلسطين بسرعة ووصل القدس في 29/8/1929م، وعند وصوله، وبدون تحقيق، وضع اللوم على العرب في أول يوم وصل فيه فلسطين دون معرفة سبب الحوادث ومسببها، ثم منع الجرائد العربية عن الصدور، فقام الحاج أمين وأعضاء اللجنة التنفيذية بتقديم احتجاجاتهم على خطاب المندوب السامي لأنه لم يقم باجراء التحقيق لمعرفة اسباب الحوادث ومعرفة سببها(36). ثم قام الفلسطينيون بارسال رسائل الى عبد العزيز بن سعود، وزعماء الهند المسلمين وغيرهم طلبوا منهم فيها عدم الاستماع الى كلام المندوب السامي المتسرع، والمساعدة على القيام بحماية البراق الشريف، والمسجد الأقصى(37)، لذلك وصلت برقيات ورسائل عديدة من زعماء العالم الإسلامي تؤيد المفتي وأهمها رسالة من مولانا محمد علي رئيس جمعي الخلافة في الهند تقول إنه طلب من جميع المسلمين في الهند، وعدهم أكثر من 72 مليونا مسلما، لبذل أرواحهم للحفاظ على المقدسات الإسلاميةفي القدس الشريف(38). ثم طلب محمد علي من الحكومة البريطانية احترام المقدسات الإسلامية في فلسطين وإلا فان جميع المسلمين في الهند سوف يثورون على بريطانيا(39). وبهذا استطاع المفتي حقا ان يثير العالم الإسلامي على بريطانيا واليهود.
واسس الحاج امين لجنة الإغاثة بسبب الحوادث الدامية التي أدت الى كثير من الشهداء وتدمير كثير من البيوت، ووصلت التبرعات من مختلف المناطق الى اللجنة حتى وصلت التبرعات الى 15.000 جنيها(40).
وطلب المفتي من الدول العربية تقديم العون والمسعدة للجرحى ولعائلات لشهداء(41). واتهم الإنجليز الحاج أمين انه استعمل بعض هذه الاموال لدعم نشاطه السياسي(42). وفي تلك الفترة شجع المفتي صديقه عبد الحميد شومان لتأسيس بنك مصري فلسطيني(43)، وبالفعل جرت مناقشات بين مصر وفلسطين لتأسيس بنك مشترك بين القطرين، ولكن المحادثات فشلت بسبب تدخل الصهاينة في مصر(44). وعندما نجح عبد الحميد شومان في تأسيس البنك العربي وحده من دون مشاركة مصر، أودع المفتي جميع أموال الأوقاف، ورصيد المجلس الإسلامي الأعلى في البنك العربي دعما له وللبنك، وكان شومان والمفتي قد قاما بافتتاح البنك العربي في 14/7/1930م.
وقابل المفتي المندوب السامي وجرى الحديث بينهما عن حوادث عام 1929م، فطلب المفتي منه وقف الهجرة اليهودية ومساواة الجميع في المعاملة من قبل الإنجليز دون تحيز لليهود واحترام الشعور الديني الإسلامي والحفاظ على المقدسات الإسلامية، وأخيرا إقامة دولة فلسطينية مستقلة(45)، فكان جواب المندوب السامي ان الحكومة البريطانية سوف ترسل لجنة للتحقيق في الحوادث كما قررت ذلك في 13/9/1929م وللنظر ايضا في توصيات أخرى تضعها اللجنة(46).
وصلت لجنة شو الى فلسطين بتاريخ24/10/1929م وبقيت في فلسطين حتى 29/12/1919م وفي هذه الفترة ارسل المفتي رسالة الى الشريف حسين طالبا منه ارساله الوثائق التي في حوزته والتي تتعلق بفلسطين كي يدافع عن الحقوق العربية امام اللجنة(47). وكان تقرير لجنة شو يؤيد الحقوق الإسلامية، كما دافعت اللجنة في تقريرها عن المفتي ضد الاتهامات الصهيونية(48). وذكرت اللجنة ان المفتي باستطاعته دعوة المسلمين للقدوم الى القدس، ولو فعل ذلك لجاء أكثر مما تجمع من المسلمين في القدس اثناء الحوادث(49)، ولكن المفتي تعاون مع الإنجليز كما ذكرت اللجنة ـ وذلك للحفاظ على الامن والسلام، في حين ذكر الصهاينة ان المفتي استعمل النغمة الدينية لالهاب شعور العرب ضد اليهود(50)، ومما يؤسف له ان بعض ذوي النفوس الضعيفة استلموا أموالا من اليهود، وبثوا دعاية بأن المفتي هو سبب الحوادث(51)، في حين أصدر المفتي نداء الى جميع المسلمين طالبا منهم التحلي بالصبر وقائلا لهم الآية الكريمة «ان الله مع الصابرين»(52)، ففي خطبة يوم الجمعة في المسجد الاقصى طلب المفتي من المسلمين الانصراف الى بيوتهم، وقال لهم «اتركوا لي الامر لكي اتدبر الامور مع الحكومة، فانتم تعرفون كيف اشعر الآن»(53) والحقيقة أنه كان عندما يتكل مع الجماهير بهذه الطريقة كان يلقى معارضة شديدة من قبل جميع المسلمين دوما، لأنهم يريدون الانتقام، وكذلك عدم الاستماع الى الحكومة. وقد وضع هاري لوك، وتقرير لجنة شو، اللوم على اليهود بأنهم سبب الحوادث.
وقال المندوب السامي بعد ان أصدرت لجنة شو تقريرها «ان هناك دلائل تثبت ان اليهود كانوا بحاجة لدعم تأسيس الوطن القومي اليهودي ولذلك اتبعوا خطة لجلب عدد اكبر من اليهود الى فلسطين وذلك باتباع سياسة الصراخ الديني على حائط المبكى منذ سنة، ولذلك حولوا هذه الصرخات الدينية الى سياسية»(54).
والحقيقة ان الذين اشعلوا نار فتنة عام 1929م واذين سببوها هم الصهاينة، وذلك عندما عقدوا مؤتمرهم في زوريخ، وشجعوا يهود العالم على القيام بتلك الفتنة امام الحائط(55) وذكرت لجنة شو في تقريرها ان ذلك زاد من خوف العرب على مستقبلهم السياسي والاقتصادي من اليهود، والذي اشعل حوادث عام 1929م هي أصلا المظاهرات اليهودية التي قامت في العام المنصرم، وبالتحديد في تاريخ 15/8/1928م(56)، واعتقد المسلمون ان هدف الصهاينة من مظاهرتهم هذه هو السيطرة على الحائط أولا ثم على الحرم الشريف ثانيا(57)، لذلك لعب الحاج أمين اثناء الحوادث دورا هاما في محاولة الدفاع عن الحرم الشريف وحائط البراق، وارسل الرسل والرسائل الى مختلف مناطق العالم الاسلامي ينبههم بخطورة الوضع.
وبعد نهاية المعارك اتهم اليهود في هذه الحوادث المسلمين بتشويههم في الجثث اليهودية(58)، لذلك شكلت الحكومة لجنة لفحص الجثث اليهودية والعربية. وكانت اللجنة الطبية مكونة من ثلاثة أطباء يهود وثلاثة أطباء عرب وثلاثة اطباء انجليز وبعد فحص الجثث جثة جثة، اصدرت اللجنة تقريرا جاء فيه انه لا يوجد هناك تشويه في الجثث اليهودية(59)، بل على العكس وجدت هناك تشويهات في جثث عائلات عربية في قرية أبي قير، وفي عائلة أبي عين(60) حتى ان اليهود احرقوا عربيا في قالونيا(61).
الهوامش
(1) تقرير لجنة شو صفحة 34.
(2) المصدر نفسه.
(3) الأرشيف البريطاني ملف برقم CO733/163/4/67013. Part 1.
رسالة من المندوب السامي الى سكرتير الدولة البريطانية بتاريخ14/6/1929م.
(4) المصدر نفسه. Confidential C.
(5) المصدر نفسه. Part. 1 انظر ايضا تقرير لجنة شو.
(6) الارشيف البريطاني ملف رقم 57540/19/160/733CO.
(7) الأرشيف البريطاني ملف رقم Confidential (C) CO 733`163`4`67013.
(8) الأرشيف البريطاني ملف رقم CO 733/160/19/57540.
(9) المصدر والملف نفسه.
(10) الارشيف البريطاني ملف رقم 67013/4/163/733 CO من المندوب السامي الى سكرتير الدولة بتاريخ10/5/1929م Confidential(C).
(11) المصدر نفسه.
(12) تقرير لجنة شو Cmd 3530 وانظر ايضا CO733/163/4/67013. Part. l من هاري لوك الى الحاج أ/ين في 11/6/1929م.
(13) عبد الوهاب الكيالي: وثائق المقاومة. وثيقة رقم 55.
(14) جريدة الجامعة العربية عدد 253 باريخ8/8/1929م وكذلك 67913/4/163/733 CO.
(15) تقرير لجنة شو. صفحة 46.
(16) المصدر نفسه.
(17) الارشيف البريطاني ـ مكتب الهند رقم الملف: L / P and, P 6186 S/10/ 1302 رسالة من Saunders الى سكرتير العام بتاريخ19/8/1929م.
(18) الارشيف نفسه والملف نفسه. وانظر ايضا تقرير لجنة شو صفحة 52.
(19) تقرير لجنة شو صفحة 53. وانظر ايضا. Fannies Fern: The Holy Land 261 - 2.
(20) المصدر نفسه.
(21) الارشيف البريطاني وزارة المستعمرات ملف رقم CO 733/163/5/67013 وانظر ايضا مكتب الهند ملف رقم (Manchester Guardian Report Sept. 1929) وانظر ايضا: Sheean: Personal History - P 356.
(22) الارشيف البريطاني ملف رقم CO 733/163/5/ 67013: وانظر ايضا تقرير لجنة شو.
(23) V. Sheean: Personal History. P. 356.
(24) الارشيف البريطاني مكتب الهند ملف رقم 1302/10/L / P and S.
(25) الارشيف البريطاني، وزارة المستعمرات ملف رقم. CO733/175/2/67411 Partl وانظر رسالة لوك الى سكرتير الدولة البريطانية بتاريخ8/8/1929م.
(26) تقرير لجنة شو صفحة 54.
(27) عبد الوهاب الكيالي: وثائق المقاومة وثيقة رقم56. وانظر ايضا: ملف رقم CO733/163/9/67013 برقية من ضابط الحكومة الى السكرتير البريطاني في 17/8/1929م.
(28) الارشيف البريطاني: ملف رقم CO733/163/4/67013.
(29) الارشيف البريطاني: ملف رقم. CO733/175/2/67411 Part, 1.
(30) تقرير لجنة شو صفحة 58.
(31) المصدر نفسه صفحة 61.
(32) المصدر نفسه.
(33) V. Sheean: Personal Histotry. P 368.
(34) الارشيف البريطاني ـ مكتب الهند ملف رقم L / P and S/ 10/1302 P. 5691 And 5726.
(35) الارشيف نفسه ملف رقم :L / P and S/ 10/ 1302. P. 5894 Telegram no
(144) بتاريخ30/8/1929م من المندوب السامي الى سكرتير الدولة البريطاني. أنظر الوثيقة في الملحق.
(36) عبد الوهاب الكيالي: وثائق المقاومة، وثيقة رقم 57 و58.
(37) الارشيف الصهيوني ملف رقم S25/3008.
(38) الارشيف البريطاني مكتب الهند ملف رقم L / P and S / 10/ 1302/ P. 5726.
(39) المصدر والملف نفسهما P. 5395, P. 6117, / P. 6124.
(40) عزة دروزة ـ تسعون عاما في الحياة صفحة 155.
(41) الارشيف البريطاني ـ مكتب الهند ـ L / P/ and S / 10/1303 .
(42) المصدر نفسه.
(43) جريدة الجامعة العربية. تاريخ 24/6/1929م وكذلك تاريخ4/7/1929م.
(44) مقابلة مع حيدر الحسيني «ابن اخ المفتي الحاج أمين» وابن كامل الحسيني المفتي السابق.
قال حيدر ان مفاوضات جرت في مصر بين طلعت حرب رئيس البنك المصري وعبد الحميد شومان مؤسس البنك العربي لتأسيس بنك مصري ـ فلسطيني في القدس، وكانت المفاوضات ناجحة في صيف عام 1929م. وعندما سمع الصهاينة هذه الاخبار طلبوا من عميلهم قطاوي باشا في مصر لاستعمال نفوذه لدى الملك فؤاد لوقف هذا المشروع أولا، وكذلك عدم التدخل في شؤون فلسطين ثانيا. ونجح قطاوي بمهمته وفشلت المفاوضات الفلسطينية المصرية.
(45) الارشيف البريطاني ـ مكتب الهند ـ L / P/ and S/ 10/ 1304. وانظر ايضا الجامعة العربية 9/9 1929م.
(46) تقرير شو. صفحة 3 في المقدمة.
(47) الحاج محمد امين الحسيني: حقائق عن قضية فلسطين. الطبعة الثانية ـ الهيئة العربية العليا ـ القاهرة 1956م ص138.
(48) تقرير لجنة شو صفحة 70 ـ 83.
(49) المصدر نفسه صفحة 76.
(50) المصدر نفسه وانظر ايضا الارشيف البريطاني ملف رقم CO 733/175/4/67948.
(51) الارشيف البريطاني ـ مكتب الهند ـ L / P / and S / 10/ 1303.
(52) تقرير لجنة شو.
(53) الارشيف البريطاني ـ وزارة المستعمرات ملف رقم CO 733/173/67314.
(54) يهودا تجار: المفتي. صفحة 142 ـ 143 «رسالة دكتوراة ـ جامعة لندن».
(55) الارشيف البريطاني ملف رقم CO 733/163/5/67013.
(56) تقرير لجنة شو. صفحة 164.
(57) المصدر نفسه وانظر ايضا الارشيف البريطاني ملف رقم. CO733/175/3/67411 Part II وانظر ايضا مقابلة المندوب السامي مع الحاج امين الحسيني في 1/10/1929م.
(58) عيسى السفري: فلسطين العربية بين الانتداب والصهيونية. صفحة 127 ـ 128.
(59) مذكرات الدكتور حسين فخري الخالدي. وكان عضو في الجنة التي شكلت للنظر في الجثث.
(60) عيسى السفري: فلسطين العربية صفحة 128.
(61) عبد الوهاب الكيالي: وثائق المقاومة، وثيقة رقم 59.
نشاط الحاج أمين الدولي
لم يوقف الحاج أمين نشاطه الديني من الصراع الدموي اليهودي العربي في فلسطين حول مسألة الحائط الاسلامي. وقال موسى كاظم الحسيني للسكرتير العام ـ هاري لوك: إن المفتي يستطيع ان يثير جميع المسلمين في الاردن، وسوريا، والعراق في أي لحظة شاء، ولا سيما اذا لم تمنع بريطانيا تعدي الصهاينة على المسلمين، وايقاف نشاطهم بالنسبة لمسألة الحائط(1).
والحقيقة ان الحاج أمين طلب العون والمساعدة من شعوب الدولة العربية المجاورة، أضف الى ذلك دخول متطوعين الى فلسطين عندما سمع العرب في الدول المجاورة بالخطر الذي يحدق بالفلسطينيين، والمقدسات الاسلامية، ولكن بريطانيا طلبت من فرنسا منع دخول المتطوعين العرب الى فلسطين، وقد أقفلت فرنسا الحدود السورية مع فلسطين فعلا(2). وبعد نهاية المعارك شكر المفتي المتطوعين المسلمين ولكن رفض دخول متطوعين جدد(3). واجتمع المفتي مع المندوب السامي في 8/10/1929م، في أثناء الاجتماع قال المندوب السامي للمفتي أنه اتخذ اجراءات مؤقتة بشأن مسألة الحائط ولكن المفتي رفض هذه الاجراءات، لانها تتحيز لليهود وتوافق مطالبهم، وقال المفتي ان الحوادث التي حصلت في فلسطين جعلت المسلمين يشعرون ان اليهود يرغبون في الحصول على الحائط كخطوة اولى للسيطرة على المسجد الاقصى(4)، وبعد أيام قليلة تجرأ اليهود بسبب هذه الاجراءات المؤقتة، وعملوا على جعل المكان مشابها لمعبد يهودي نتيجة هذه المقترحات الانجليزية كما قال المفتي(5) ولذلك اعتقد الحاج امين ان المندوب السامي بدأ يكشف عن نفسه بميله الى الصهاينة فعزم المفتي على تحذيره حينما قال له انه سوف يطلب من زعماء العالم الاسلامي القدوم الى فلسطين للنظر في مسألة الحائط وان يضعوا حلا يقدموه للمندوب السامي(6)، ونستنتج من كلام المفتي انه اراد نشر مسألة الحائط في العالم الاسلامي وأنه سوف يفضح الانجليز الذين يخضعون للضغط اليهودي الصهيوني، وأن الانجليز لا يمارسون أي ضغط على اليهود. فبعث المفتي برسائل الى زعماء العالم الاسلامي، واستلم الاجوبة منهم وأيدوه في ما يريد لحماية الاراضي المقدسة.
وكذلك أقام المسلمون المظاهرات في بلادهم احتجاجا على السياسة الانجليزية في الاراضي المقدسة، وكانت المظاهرات عنيفة في كل من الهند ومصر، وسوريا، وغيرها،(7) وأما في السعودية فقد ارسل عبد العزيز بن سعود بتاريخ15/ربيع ثاني/1348 هـ «20/9/1929م» رسالة الى ملك بريطانيا محتجا على الاعمال اليهودية في القدس فأجابه الملك «انه مندهش للاخبار، وانه غير صحيح ان اليهود هاجموا المسلمين أثناء تأدية الصلاة في المسجد الأقصى»(8).
ثم ارسل ابن سعود والامام يحيى امام اليمن رسائل الى المفتي معبرين عن حزنهم على الشهداء الذين ضحوا بارواحهم للحفاظ على المقدسات الاسلامية، واضاف الزعيمان المسلمان يحيى وابن سعود للمفتي انهما يثقان بالانجليز ثقة مطلقة، وان الانجليز سوف يتخذون خطة عادلة في المستقبل تجاه مسألة الحائط(9)، في حين كان جواب النحاس في مصر للمفتي اكثر صراحة وتأييدا اذ طلب محاربة اليهود، والانجليز معا من دون مهادنة، وأنه مستعد لتقديم العون المادي للمفتي إذا اراد ذلك(10).
وعقد المسلمون، الذين جاءوا الى القدس لتقديم الوثائق الى لجنة شو للدفاع عن الحقوق الاسلامية(11)، مؤتمرا هددوا به اليهود إذا استمروا في تطاولهم على المسلمين، أو تعدوا حدود الزيارة للحائط التي منحت لهم من قبل المسلمين. وقد وصف أحمد زكي باشا بعد زيارته القدس قادما من مصر «ان المفتي هو رجل الساعة الذي اختاره الله لحماية المسجد الاقصى المبارك»(12).
والظاهر ان المفتي قد شكل منظمات سرية للدفاع عن المقدسات الاسلامية وعن كل فلسطين كما اعتقد الانجليز ذلك. فهناك مثلا منظمة «الكف الأخضر» التي قال عنها الانجليز «انها تشكلت من قبل شيوخ فلسطين برئاسة مفتي القدس الحاج أمين الحسيني»(13)، وكان هدف هذه المنظمة حماية المقدسات الاسلامية، ومنع اليهود من شراء الاراضي وقتل الخونة الذين يفكرون في التعاون مع الصهاينة(14). وفكر المفتي ان أفضل طريقة لمنع اليهود من شراء الارض هي شراء أراضي فلسطين كلها من قبل المسلمين في العالم، وتسجيل فلسطين كلها وقف اسلامي(15) واعتقد المفتي ان هذا العمل سهل تحقيقه، وذلك بجمع مليون جنيه كل سنة من 300 مليونا مسلما في العالم(16).
وعلم المفتي انه من الافضل ان يبعث وفدا الى لندن لشرح الحقوق الاسلامية أمام البرلمان البريطاني، فبعث رسالة الى وزارة المستعمرات في 19/10/1929م يخبرهم فيها انه سوف يرسل قريبه جمال الحسيني الى لندن للاجتماع باعضاء البرلمان البريطاني(17).
وبعث المفتي رسائل الى المسلمين في الهند عن الموضوع نفسه فعقد المسلمون في الهند مؤتمرا اسلاميا يدعى «مؤتمر جميع مسلمين الهند بشان فلسطين» واستمر المؤتمر ثلاثة ايام هي 20.19.18/4/1930م. واتخذ المؤتمر الهندي قرارا بان يكون يوم 16/5 من كل عام «يوم فلسطين»(18)، واحتج المؤتمر الهندي على الاعمال الانجليزية في فلسطين، ولا سيما اعدام الانجليز ثلاثة من المسلمين بسبب الحوادث عام 1929م(19).
وقرر الهنود ارسال وفد الى لندن لشرح الشعور الاسلامي في شبه القارة الهندية تجاه حائط البراق الشريف والحقوق الاسلامية فيه. وعندما توجه وفد هندي الى لندن للاشتراك في مؤتمر المائدة المستديرة ووصل الوفد الى القاهرة، ذهب الحاج أمين وقابل الوفد الهندي في مصر وشجعه على شرح الحقوق الاسلامية وان يذكر الى الانجليز عن تعديات اليهود على حائط البراق الشريف(20).
وقرر العرب في فلسطين ارسال ود فلسطيني الى لندن لشرح كل ما يتعلق بحقوقهم ومستقبل وطنهم الى البرلمان والشعب البريطاني، فشكل الوفد الفلسطيني برئاسة السيد موسى كاظم الحسيني، وكان المفتي عضوا في الوفد وهي أول مرة يزور فيها المفتي لندن وبلاد الانجليز. وألقى خطابا في البرلمان بتاريخ 27/4/1930م شرح فيها المظالم التي وقعت على العرب من قبل الإنجليز وانتقد السياسة البريطانية المبنية على وعد بلفور، وقال انه من الظلم ان يعمل الانجليز على احلال الصهاينة محل الشعب العربي في فلسطين(21)، واضاف المفتي قائلا ان الحوادث التي وقعت عام 1929م كان سببها السياسة البريطانية الخاطئة في فلسطين، ونصح في خطابه الانجليز «أن يكونوا صداقات مع ملايين العرب، والمسلمين بدلا من يجرحوا الشعور الاسلامي بقصة حائط البراق الشريف»(22)، وكما يبدو من كلمته في البرلمان البريطاني فان المفتي اراد ان يفهم الانجليز أن السيف الاسلامي ما زال قويا ضد اعداء الاسلام.
واجتمع المفتي عند ما كان في لنند برئيس الوزراء البريطاني ـ رمزي مكدونالد، وشرح له ما وقع على العرب من ظلم الانجليز وعن خطر الهجرة اليهودية الى فلسطين وان الاراضي أصبحت لا تكفي حتى لأصحابها، فوعده مكدونالد بانه سوف يرسل الخبير هوب سيمسون لدراسة مسألة الاراضي الفلسطينية والهجرة اليهودية(23)، فقال المفتي لمكدونالد: وما هي الفائدة من ارسال مثل هذا الخبير الى فلسطين طالما ان التجارب اثبتت ان كل الخبراء ولجانهم كتبوا في تقاريرهم وانصفوا العرب ولكن بسبب الضغط الصهيوني على الزعماء الانجليز في لندن لم ينفذ كلام وتقارير الخبراء(24)، فقال مكدونالد للمفتي «أقسم بشرفي بصفتي رئيس وزراء بريطانيا العظمى انني سوف انفذ التقرير الذي سوف يضعه هوب سيمسون كاملا»(25)، وبعد ان درست بريطانيا تقرير لجنة شو، وتقرير هوب سيمسون اصدرت الكتاب الابيض في تشرين أول عام 1930م. وكان كلا التقريرين قد انصفا الحقوق العربية الى حد ما، ولكن للأسف لم تنفذ الحكومة البريطانية هذه التقارير ولا الكتاب الابيض بسبب الضغط الصهيوني على زعماء الانجليز في لندن، وبعد ان أصدر الانجليز الكتاب الابيض عام 1930م استقال وايزمن رئيس المنظمة الصهيونية احتجاجا على ما جاء في الكتاب الابيض، فما كان من مكدونالد الا ان اجتمع بوايزمن، واصدر الكتاب الاسود وهذا ينفي ما جاء في الكتاب الابيض ولذلك فان مكدونالد خضع للضغط الصهيوني، ولم يكترث بالقسم الذي اقسمه للمفتي قبل اشهر معدوده في لندن، وحاول المفتي جاهدا من الإنجليز ان يطبقوا ما جاء في التقارير السالفة، وما جاء في الكتاب الابيض او بتنفيذ القسم الذي أقسمه له مكدونالد، ولكن رسائل المفتي واحتجاجاته لم تلق اذنا صاغية من الانجليز بسبب نشاط الدعاية الصهيونية في لندن(26).
وهكذا فشل الوفد الفلسطيني في مهمته في لندن بسبب النفوذ الصهيوني في بريطانيا(27)، وعلم المفتي انه من الصعب جدا زحزحة الانجليز ع الغاء وعد بلفور، وعلم ايضا ان الصهاينة يتحكمون في السياسة البريطانية، لذلك قرر المفتي ان يوزان هذا الضغط الصهيوني على الانجليز في لندن بضغط اسلامي على الانجليز خارج بريطانيا أي ضغط الحكومات الاسلامية على حكومة بريطانيا. وبدأ المفتي بنصح الحكومة الاسلامية ان تتخذ وسيلة لحماية الاماكن المقدسة في القدس لان السكوت عن ذلك خطر على المقدسات الاسلامية(28). ولاقى كلام المفتي قبولا عند المسلمين لاسيما في الهند فقام الهنود بارسال تهديدات الى بريطانيا عندما فشل الوفد الفلسطيني في لندن، وقال زعماء الهنود المسلمين للانجليز انه اذا لم تتحقق المطالب الفلسطينية العادلة فان مسلمي الهند، وهم أكثر من 72 مليونا مسلما سوف يتحدون ويتفقون مع غاندي ـ الزعيم الهندي غير المسلم وذلك لاعلان الاضراب الشامل ضد الانجليز في كل شبه القارة الهندية(29).
وغادر الوفد الفلسطيني لندن خائبا، وذهب المفتي الى جنيف غاضبا، واجتمع هناك بالسكرتير العام لعصبة الامم الذي أخبر المفتي خبرا هاما مفاده ان الانجليز هم الذين وضعوا بنود الانتداب، وليس عصبة الامم كما ادعى الانجليز(30).
وهذا الخبر جعل المفتي يغضب أكثر لانه تيقن، وعلم ان الصهاينة هم الذين ضغطوا على الانجليز ووضعوا بنود الانتداب التي تتضمن مواد وعد بلفور ولذلك عندما رجع المفتي الى فلسطين قرر ان يعمل على جعل فلسطين جمرة ساخنة كما كانت عليه عام 1929م(31).
وحاول الصهاينة شراء الاماكن الوقفية المحيطة بحائط البراق الشريف كلها ولكنهم فشلوا لان اراضي الوقف غير مسموح بيعها، فقال وايزمن للمندوب السامي انه مستعد لدفع70.000 جنيها لشراء هذا المكان، ولكن المندوب السامي أجابه بالسكوت في الوقت الحاضر الساخن، ولكنه نصح وايزمن قائلا: «بما ان هذه الاماكن وقف اسلامي، وممنوع بيعها من قبل المسلمين، لذلك فمن المحتمل ان يقبل المسلمون استبدالها بأراضي يهودية»(32)، وحاول المندوب السامي شراء أو استبدال هذه الاماكن من الحاج أمين، ولكن المندوب السامي وجد المفتي «جامدا لا يتزحزح»(33) وهناك محاولات أخرى لشراء هذه الأماكن الوقفية جربها اليهود وفشلوا، فمثلا وبعد حوادث عام 1929م كتب القنصل البريطاني في استنبول الى وزارة الخارجية البريطانية في 29/8/1929م رسالة أبدى رأيه بها «لحل المشكلة» فكتب «إن على اليهود ان يتقدموا لشراء الحائط نفسه»، واضاف القنصل البريطاني «إن اقتراحي للحل هو ان المحمديين ربما يقبلون مبلغا من المال، وبما ان اليهود أغنياء فلماذا لا يدفعون ثمن ذلك وانني اعتقد جازما ان المحمديين والعرب لن يقبلوا مبلغا بسيطا مثل 20.000 جنيها وان اليهود جمعوا في مؤتمرهم في زوريخ 240.000 جنيها بشأن فلسطين، فلماذا لا يدفعون مثلا (100.000) جنيها وأنا اعتقد تماما بأن ذلك سوف يحل النزاع»(34).
ونستنتج من ذلك ان الانجليز كانوا العوبة في يد وايزمن وجماعته، ونستنتج من كلام القنصل البريطاني في استنبول عن الغباء الانجليزي، إذ كيف يمكن ان يبيع المسلم مقدساته الاسلامية، وهذا يدل فعلا على عدم دراسة الانجليز للعقل الاسلامي العربي جيدا.
الهوامش
(1) ارشيف وزارة الخارجية البريطانية ملف رقم: Fo371/13754 - E 5487. رسالة الى السكرتير العام من A. S.
(2) ارشيف وزارة الخارجية البريطانية ملف رقم: Fo371/13754 - E 5455 وكذلك ملف رقم F0371/ 13754 - E5220 رسالة من المندوب السامي الى سكرتير الدولة البريطاني في 24/9/1929م. ورسالة اخرى في 19/10/1929م رقم E - 5427 في الملف.
(3) ارشيف وزارة الخارجية ملف رقم: Fo371/ 13754 - E 5487 .
(4) الارشيف البريطاني ملف رقم CO733/ 163/ 5/670/3.
(5) المصدر نفسه.
(6) جريدة الجامعة العربية 9/10/1929م عدد 267.
(7) الارشيف البريطاني ـ مكتب الهند ملف رقم 1303/10/S L / P / and l.
(8) المصدر نفسه وانظر ايضا صفحة P. 8018.
(9) المصدر نفسه وانظر CO733/175/4/67411.
(10) الارشيف البريطاني وزارة المستعمرات ملف رقم: CO733/175/4/674ll Part lll.
(11) عزة دروزة: تسعون عاما في الحياة. صفحة 189.
(12) الارشيف البريطاني ـ مكتب الهند ـ ملف رقم: L / P/ and/ S/ 10/1303.
(13) أوراق تيجارت الانجليزي الخاصة ـ محفوظة في جامعة سانت أنطوني في اكسفورد في بريطانيا.
(14) عزة دروزة ـ تسعون عاما في الحياة.
(15) الارشيف البريطاني ـ مكتب الهند ملف رقم L / P and S/ 10/ 1303.
(16) المصدر نفسه. وتكلم المفتي مع شوكت علي بشأن تسجيل كل فلسطين وقف اسلامي.
(17) الارشيف البريطاني ملف رقم: CO733/178/1/67500 رسالة الحاج امين الى وزارة المستعمرات 29/10/1929م.
(18) جريدة الجامعة العربية عدد 362 بتاريخ25/4/1920م وعدد 371. وانظر ايضا الكيالي: وثائق المقاومة وثيقة رقم 74.
(19) الارشيف البريطاني ـ مكتب الهند ملف رقم L / P and S/ 10/ 1304. وانظر ايضا الكيالي: تاريخ فلسطين. صفحة 241.
(20) الارشيف البريطاني. وزارة المستعمرات. ملف رقم: CO 733/179/7/77013 Part 5.
(21) عبد الوهاب الكيالي: وثائق المقاومة. وثيقة رقم 72. وانظر ايضا الجامعة العربية عدد 363 في 27/4/1930م.
(22) الجامعة العربية: المصدر نفسه.
(23) الوثائق البريطانية Cmd 3582.
(24) أمين الحسيني: حقائق عن قضية فلسطين صفحة 45 ـ 49.
(25) المصدر نفسه.
(26) الارشيف البريطاني ـ مكتب الهند ـ L / P / and S/ 10/ 1304.
(27) عبد الوهاب الكيالي: وثائق المقاومة. وثيقة رقم 75.
(28) عبد الوهاب الكيالي: وثائق المقاومة. وثيقة رقم 75.
(29) جريدة الجامعة العربية 6/6/1930م.
(30) الجريدة نفسها تاريخ6/6/1930م.
(31) محمود علي سعود عطية: دراسة حزب العربي والدفاع. رسالة دكتوراة ـ الجامعة الامريكية ـ بيروت ـ 1979 ص 96.
(32) الارشيف البريطاني، وزارة المستعمرات، ملف رقم: 4/163/733CO رسالة من المندوب السامي الي Shuckburgh بتاريخ12/1/1929م.
(33) الارشيف نفسه ملف رقم CO 733/160/19/5754O وانظر ايضا:
Fannie Fern Andrews: The Holy Land. P. 245.
(34) الارشيف نفسه ملف رقم CO733/163/5/67013 رسالة القسطنطينية رقم 372 الى وزارة الخارجية بتاريخ29/8/1929م. وانظر ايضا: CO733/163/7/67013.
البعثة الدولية عن حائط البراق الشريف
ذكرت تقارير اللجان الانجليزية التي وصلت الى فلسطين ان حائط البراق الشريف هو الجزء الغربي من سور المسجد الاقصى وهو وقف اسلامي، لذلك حاول الصهاينة الضغط على الانجليز لتشكيل لجنة دولية لدراسة مسألة الحائط وحاول اليهود شراء اعضائها. وهذا الضغط الصهيوني جاء بعد ان فشلوا، ولم يحققوا ما طلبوا من تقرير لجنة شو الذي انصف الحق الاسلامي. وهكذا اضطرت حكومة لندن بعد الضغط الصهيوني الى تقديم اقتراح الى عصبة الامم بتشكيل لجنة، بناء على قرار مادة 14 من صك الانتداب «وذلك لكي تدرس اللجنة، وتقرر حقوق وادعاءات كل من اليهود والمسلمين في الحائط الغربي، او حائط المبكى»(1).
وعينت حكومة الانتداب لجنة تدعى «لجنة حائط المبكى» ووافق عليها مجلس عصبة الامم، ولم يكن الاعضاء بريطانيين(2). وعندما سمع المفتي بتشكيل لجنة حائط المبكى الدولية دون استشارة المسلمين احتج على ذلك(3)، وارسل مجموعة رسائل مرفقة بوثائق الى عصبة الامم تثبت حقوق العرب الشرعية الاسلامية في حائط المبكى، وأرسلت هذه الرسائل والوثائق بعد ذلك الى السكرتير العام لعصبة الامم(4). ثم اصدر المفتي بيانا احتجاجيا ضد تعيين هذه اللجنة وارسله الى الحكومة في 25/6/1930م(5). ومهما كان احتجاج المفتي فقد وصلت البعثة الدولية في 19/7/1930 الى فلسطين، وبعد فترة ستة شهور قدمت تقريرها للعصبة(6).
وكان المفتي قد أرسل رسالة الى المندوب السامي في11/10/1930م شرح فيها الحقوق الشرعية الإسلامية في الحائط، وبدأ رسالته ذاكرا ان الشعب الفلسطيني لم يقبل اصلا الانتداب البريطاني على فلسطين، ولم يقبل وعد بلفور، الذي نادى بتأسيس وطن قومي لهم في فلسطين، وأضاف المفتي ان أي قرار يخص الاماكن المقدسة الإسلامية في فلسطين يجب ان يكون مصدره الشريعة الاسلامية وليس من أي مصدر آخر. وأضاف ان اللجنة أصلا غير شرعية وباطلة، وهي في عيون جميع المسلمين غير مقبولة(7). وقد أظهر المفتي للمندوب السامي، وذكره بأن الإنجليز اعترفوا بالحقوق الشرعية الإسلامية في حائط البراق الشريف سواء في عام1928م، أو في تقرير لجنة شو، أو اللجان الأخرى، فلماذا إذا إرسال لجان أخرى؟ ثم اضاف للمندوب السامي بأن المادة 13 من الانتداب «تمنع حكومة الانتداب من التدخل أو الإشراف على المقدسات الإسلامية»(8)، ولكن المندوب السامي وتلبية لأوامر حكومة لندن استعمل نفوذه، وضغط على المفتي لكي يقابل اللجنة الدولية، وكان يعتقد الحاج أمين أنه على الرغم مما جاء في تقرير لجنة شو ونظام الكتاب الأبيض من إنصاف المسلمين إلا ان «اليهود حصلوا على الامتيازات التي لم تكن لهم أصلا»(9).
وارسل المفتي رسالتين ارفق بهما وثيقتين الى السكرتير العام (10)، وكانت الوثيقة الاولى عبارة عن إرادة خديوية مؤرخة في 29 رجب 125هـ الموافق 21/9/1840م، ومما جاء في هذه الوثيقة ان المسلمين سمحوا لليهود بزيارة الحائط شريطة عدم جلب أي شيء معهم. وأما الوثيقة الثانية فهي عبارة عن قرار المجلس الإداري للواء القدس مؤرخ في12/11/1327 هـ (1909م) وجاء في هاتين الوثيقتين أنه بحسب الشريعة الإسلامية يمنع اليهود م الصلاة، أو الوقوف على أراضي الوقف الإسلامي. وعندما وصلت «بعثة حائط المبكى الدولية» الى القدس دعا المفتي زعماء مسلمين للحضور وذلك للدفاع عن الحقوق الشرعية الاسلامية في حائط البراق الشريف امام اللجنة(11)، فقرر زعماء الهنود المسلمين الذهاب الى القدس، للدفاع عن المقدسات الإسلامية(12)، وتقديم البراهين الشرعية الإسلامية أمام اللجنة.
وحاول الإنجليز تأخير نشر تقرير اللجنة الدولية، لان المفتي ـ كما اعتقدوا ـ سوف يستفيد منها سواء انصفت المسلمين ام تغاضت عن حقوقهم، وسوف يستعمله للأغراض السياسية وسلاحا ضد الانجليز وبهذا الخصوص كتب المندوب السامي الى حكومته في لندن «مهما يكن من محتوى قرار اللجنة فان المفتي سوف يستعمله بالتأكيد للأغراض السياسية، وسوف يقوي مركزه السياسي وذلك بالضرب على نغمة الدين الإسلامي وسوف يلهب شعور المتعصبين المسلمين الجهلة»(13) وحاول الإنجليز «إيحاد حل للنزاع» حول حائط البراق الشريف بين المسلمين واليهود وذلك بعمل مفاوضات بينهما، لذلك جرب السير سبنسر ديفيس Spencer Davis (وربما كان مدفوعا من قبل اليهود) مسؤول مالية حكومة فلسطين محاولة إقناع الحاج أمين للاجتماع باليهود لحل النزاع، فرفض المفتي الإجتماع باليهود وقال لسبنسر إن اجتماعه باليهود يعني اعترافه بأن هناك حقوقا لهم في الحائط، لهذا السبب رفض المفتي الحديث مع اليهود(14)، ولكن المفتي لم يمانع من متابعة الإنجليز حوارهم مع الصهاينة بالكف عن مطالبهم غير الشرعية(15). وعلم الإنجليز ان المفتي هو العقبة الرئيسية في أي حوار بين العرب واليهود(16)، لذلك قرروا تقليص نفوذه وهيبته، لأنه لا يمكن ان يخضع بوصة واحدة لهم في ما يخص المقدسات الإسلامية لأنه إذا خضع فسوف يفقد كل نفوذه وهيبته في المستقبل(17).
وصمم الإنجليز على «إضعاف المفتي بتقليص نفوذه ووظائفه»، واتخذوا الطرق التالية لإضافه وهي:–
1 ـ أن تكون الأوقاف الإسلامية تابعة للحكومة الإنجليزية، كما كانت زمن تركيا، وأن تجرد الحاج أمين من الإشراف عليها.
2 ـ إيقاظ النزاع الحسيني ـ النشاشيبي وذلك باتباع سياسة «فرق تسد».
3 ـ محاولة عزل الحاج أمين عن رئاسة المحاكم الشرعية، وإدارة أموال الأوقاف، ووضعها تحت إدارة رئيس العدلية(18). وحاول الصهاينة أيضا مساعدة الإنجليز في إضعاف المفتي، وبعد ياسهم استلم الحاج أمين رسالة من رئيس الحاخاميين اليهود في رومانيا ـ ابراهام روزنبرغ ـ بتاريخ20/11/1930م طالبا من الحاج امين ان يسمح لليهود باقامة الشعائر الدينية عند المسجد الأقصى(19). وعندما لاحظ المفتي نشاط الصهاينة، وتحديهم بواسطة كبير الحاخاميين في رومانيا، طلب من الإنجليز نشر قرار اللجنة الدولية فورا، وبعد مماطلة الإنجليز فترة من الوقت، أصدرت اللجنة الدولية قرارها، ومما جاء فيه: «إن المسلمين هم الوحيدون أصحاب الحق، والملك للحائط الغربي، الذي يشكل جزءا من الحرم الشريف والمنطقة كلها وقف، وكلك فان الساحة التي هي قرب الحائط للمسلمين ايضا، ولكن لليود الحرية في زيارة حائط المبكى للصلاة في أي وقت»(20).
لذلك أصدر المندوب قرارا بان عليه تنفيذ وتطبيق ما جاء في قرار اللجنة الدولية ابتداء من تاريخ30/6/1931م.
وأخيرا فان حوادث عام 1928 وعام 1929م، وكذلك دفاع الحاج أمين الحسيني عن الحقوق الإسلامية في حائط البراق الشريف، اعطته شهرة عالمية في جميع أنحاء العالم الإسلامي، حتى انه حصل على لقب حامي المسجد الأقصى والبراق الشريف، وكثرت الأغاني والأهازيج الفلسطينية التي تمتدح المفتي وتمجده. وكان الحاج أمين عقبة رئيسية ضد أهداف واطماع الصهاينة الذين حاولوا شراءه وذلك بتقديم30.000 جنيه استرليني كرشوة شخصية له، مقابل موافقته على بيع اراضي الوقف قرب المسجد الأقصى، فرفض المفتي ذلك وفضح اليهود أمام لجنة شو بسبب هذه الرشوة(21). ثم حاولوا رشوته مرة ثانية بمبلغ نصف مليون جنيه مقابل مادرته فلسطين لمدة أسابيع قليلة وذلك أثناء وجود لجنة شو في فلسطين، ورفض ذلك ايضا(22)، ولذلك علم المفتي جيدا ان اليهود يريدون الاستيلاء على المسجد الأقصى، فقام ببناء وتصليح الأبنية في أراضي الوقف المحيطة بالمسجد الأقصى مما جعل اليهود يغضبون غضبا شديدا على المفتي. وقد وصف صحفي أجنبي المفتي قائلا «إن المفتي هو الخصم العنيد الذي لا يتزحزح ولا يخضع، فهو ضد الأطماع الصهيونية وضد سياستهم فحاربهم بشدة ومنعهم من محاولة الاستيلاء على الحائط»(23).
وأعلن المفتي ان المعاملة الإنجليزية للشعب الفلسطيني سيئة، وسببها الإنجليزي اليهودي نورمان بنتويش، الذي كان في مركز هام في فلسطين(24).
وعبر المفتي عن شعوره للإنجليز قائلا «إن اليهود إذا وعدوا من قبل الانجليز الحصول على مائة إنجاز فانهم يحصلون على ألف في حين اذا وعد العرب الحصول على ألف فانهم يحصلون على 100 فقط»(25).
ونجح الحاج أمين في محاولة استقطاب زعماء العالم الاسلامي للدفاع عن المقدسات الإسلامية أمام لجنة شو واللجنة الدولية والمحافل العالمية، وضغط زعماء العالم الاسلامي على حكومة لندن لكي تتصرف بالعدل وليس محاباة لليهود. «وربما اصدر الإنجليز الكتاب الأبيض نتيجة ضغط المسلمين الهنود الذين هم أكثر من 72 مليون مسلم»(26)، وكان المفتي قد نبه الإنجليز الى انه من الأفضل لهم عدم جرح الشعور الاسلامي، لان المسلمين اكثر من 300 مليون مسلم.
ونستنتج أخيرا ان المفتي قد نجح في عقد مؤتمر إسلامي كبير في القدس عام 1931م وذلك للدفاع عن المقدسات الإسلامية، وحضر المؤتمر معظم زعماء العالم الإسلامي، وكان من أعظم المؤتمرات الإسلامية التي شهدتها فلسطين زمن الانتداب البريطاني.
وهنا كلمة أخيرة نقولها وهي انه على الرغم من ان الوثائق التي تخص فلسطين قد تم كشفها وموجودة في لندن، ولكن للأسف، فان بعض الوثائق عن حائط البراق الشريف وحوادث عام 1929م قد تأجل كشفها. لماذا؟ فمن المفروض ان يزاح النقاب عنها عام 1979م أي بعد خمسين عاما من الحوادث ولكن الملفات أقفلت ووضعت على الرف حتى عام 2032م(27). وربما تؤجلها بريطانيا للكشف عنها سنوات أخرى وذلك لان هذه الوثائق ربما تمس سمعة الإنجليز وشرفهم، إذا بقي عندهم شرف، فيما يخص تاريخ فلسطين.
الهوامش
(1) جلسة رقم 56 لعصبة الامم. انظر تقرير آرثر هندرسون الممثل البريطاني وانظر أيضا أ»راق البرلمان رقم VXX. Cmd. 1785 Vol فقرة رقم 14.
(2) الارشيف البريطاني ملف رقم 195/733CO، وانظر أيضا الجريدة الرسمية بتاريخ 8/6/1931 وانظر ايضا: M.Eleil <Swidish>, M. Charles <Geneva> Kempen 3514Cmd، أعضاء اللجنة هم «من النرويج» M.C.Van.
وانظر أيضا الجريدة الرسمية بتاريخ8/6/1931م.
(3) الارشيف البريطاني ملف رقم: CO733/195/7/87013 من حكومة فلسطين لسكرتير الدولة البريطانية 31/10/1931م.
(4) الارشيف البريطاني ملف رقم CO733/179/5/77013 من مونتجال الى سكرتير عصبة الامم في جنيف 12/5/1930م.
(5) يهودا تجار: المفتي ـ رسالة دكتوراة ـ جامعة لندن صفحة 161.
(6) تقرير لجنة حائط المبكى وانظر ايضا الخالدي: الحق العربي في حائط المبكى في القدس. مركز مؤسسة الدراسات الفلسطينية ـ بيروت 1968.
(7) الارشيف البريطاني ـ ملف رقم CO733/195/7/87013 رسالة من O.A.G. الى سكرتير الدولة البريطاني بتاريخ 31/10/1930م سري.
(8) المصدر نفسه.
(9) الأرشيف نفسه. وانظر رسالة الحاج أمين الى المندوب السامي بتاريخ11/10/1930م.
(10) المصدر نفسه.
(11) أوراق تيجارت محفوظة في جامعة سانت أنطوني في أكسفورد. صندوق 1 ملف 38.
(12) الارشيف البريطاني ـ مكتب الهند. ملف رقم L / P and S / 10/1304. P. 7983.
(13) الارشيف البريطاني ـ وزارة المستعمرات ملف رقم: CO733/179/7/77013 Part 5 From Cnancellor to Williams. 10/22/1930.
(14) المصدر نفسه وانظر رسالة المندوب السامي الى سكرتير الدولة البريطانية للمستعمرات تاريخ 11/10/1929م قسم II.
(15) المصدر نفسه، وانظر رسالة الحاج أمين الى السكرتير العام في 14/9/1930.
(16) الارشيف البريطاني ملف رقم: CO733/193/9/77364 رسالة من D.G.R. Williams الى سكرتير المستعمرات بتاريخ27/8/1930م.
(17) المصدر نفسه.
(18) المصدر نفسه.
(19) محمد أمين الحسيني: حقائق عن قضية فلسطين. صفحة 117.
(20) الأرشيف البريطاني ـ ملف رقم CO733/195 وانظر الجريدة الرسمية بتاريخ 8/6/1931م قرار المجلس عن الحائط الغربي أو المبكى عام 1931م.
(21) عزة دروزة: تسعون عاما في الحياة. صفحة 169.
(22) مقابلتي مع الاستاذ حيدر الحسيني في 20/7/1980م في عمان وانظر ايضا مجلة فلسطين عدد خاص بمناسبة وفاة المفتي عدد 161 بتاريخ الشهر السابع عام 1974م.
(23) Vincent Sheean: Personal History P. 372.
(24) جريدة الجامعة العربي. عدد 465 بتاريخ 13/12/1930م.
(25) المصدر نفسه.
(26) المصدر نفسه.
(27) شاهدت عام 1980م ملفات لعام 1929م في أرشيف وزارة المستعمرات البريطانية مكتوب عليها «تؤجل كشف هذه الوثائق حتى عام 2032م».
المصدر: الحاج امين الحسيني / د. تيسير جبارة ـ جامعة النجاح الوطنية (نابلس) / دار الفرقان1995
مواضيع ومقالات ذات صلة
وثيقة جنيف وحائط البراق ، مقال لبلال الحسن