بسم الله الرحمن الرحيم

الوقف في الإسلام

 

الوقف في الإسلام

تعريف الوقف

الوقف لغة الحبس(1)، وجمعها أوقاف، وهو مصدر للفعل وقف يقف وقفاً، ومعناه شرعاً حبس العين المملوكة ملكاً تاماً والتصدق بالمنفعة(2)، وهو ضربٌ من ضروب البر والإحسان(3) التي حثَّ عليها القرآن الكريم وعمد على فعلها الرسول العربي الكريم عليه الصلاة والسلام(4) وهو تحديد منفعة العين لجهة محدّدة كأن يقوم شخص ببناء مسجد، أو مدرسة، أو دار للأيتام والمسنين، أو خان ونُزل للمسافرين وعابري الطريق، أو سبيل للشاربين، أو مكتبة لخدمة طلبة العلم، أو حتى مزرعة أو مسكن يكون ريع وارداتها إلى ذريته، وغير ذلك من أعمال البر والخير على أن يكون المستفيد من الوقف شخص غير الواقف نفسه إلاّ إذا شرط ذلك في كتاب وقفه أو كان الوقف على عموم المسلمين فيكون الواقف أحدهم(5).

1. تعريف الحنفية للوقف: الوقف عند الحنفية(6): "حبس العين على ملك الواقف والتصدق بمنفعتها" أو "حبس المملوك عن التمليك من الغير".

2. تعريف الحنابلة للوقف: عرّف الحنابلة(7) الوقف بأنه "تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة" .

3. تعريف الشافعية للوقف:عرّف الشافعية(8) الوقف بأنه "تمليك لمنافع معدومة وفوائد معقودة تارة لموجود وتارة لمفقود، وتمليك المفقود أعظم أحوال الوقف، فإنّ المستحقين الموجودين وقف الوقف إذا انقرضوا صارت الغلات والمنافع المعدومة مستحقة بالوقف إلى يوم القيامة " .

4. تعريف المالكية للوقف: عرّف المالكية الوقف بأنه: "إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازماً بقاؤه في ملك معطيه ولو تقديراً" .

صيغ وألفاظ الوقف

يبلغ عدد ألفاظ ومصطلحات الوقف ستة وعشرين لفظاً؛ أبرزها أن يقول الواقف:وقفتُ أو حبستُ أو تصدقتُ أو سبلتُ أو أبّدتُ(9) وهي ألفاظ صريحة للتأكيد على أنّ الواقف قد تنازل عن وقفه للصالح العام، أو أن يقول بشكلٍ غير مباشر عقاري للفقراء(10)، أو أن يكون وقفاً بالتعامل كأن يبني المُحسن مدرسةً أو مسجداً أو سبيلاً للشاربين دون أن يقرن ذلك بكتاب وقفٍ مسجّل في سجلات المحكمة الشرعية.

أنواع الوقف

يُقسم الوقف إلى قسمين هما: الوقف الخيري والوقف الذُّري (الأهلي)، ويكون الوقف خيرياًّ(11) عند تخصيص ريعه على جهة من جهات البر كالوقف على المساجد أو المدارس أو المستشفيات أو تلاوة القرآن الكريم، ويكون ذُرّياً(12) عند استحقاق الريع للواقف نفسه ثم لغيره من الأفـراد الذين يُعيّنهم سواء كـانوا من أقاربه أو غير ذلك، في حين يتحول الوقف الخيري أو الذري إلى وقف أرصاد(13) عند صرف شيء من الوقف من بيت المال على مصلحة أو على بعض مستحقّيه بعد أن يُحبّس أحد المحسنين مالاً على مصالح خيرية أو أهلية، وقد تطوّر نمطٌ جديدٌ من وقف الأرصاد في النصف الثاني من القرن العاشر الهجري وفق النصف الثاني من القرن السادس عشر الميلادي، ثم ازدهر في القرن الحادي عشر الهجري وفق القرن السابع عشر الميلادي وعرف باسم وقف النقود(14).

ويعرف الوقف باسم وقف الخلو(15) أو وقف المنفعة حين يكون الوقف مقتصراً على الانتفاع بالعقار الموقوف، أما الخلو فهو اسم معنوي يملكه دافع المال مقابل الانتفاع بالعقار الموقوف شرط  أن يعمل على عمارته من المال المحبّس لمصلحة وقف الخلو، وهذا النوع من الأوقاف جائز في المذهب الحنفي الذي ساد في مدينة القدس طوال العهد العثماني(16)، وفد ازدهر وقف الخلو في العهد العثماني الذي تنامت فيه سلطة القاضي الحنفي في مدينة القدس حتى أصبح أعلى سلطة قضائية وتشريعية في السنجق (لواء) القدس .

أشكال الوقف

1. وقف المشاع: وقف المشاع(17) هو عندما يشترك أكثر من شخص في ملكية عقار واحد، فيقال إن الملكية مشـاعة بينهم، أي أنّ حصـة كل شخص من الملاّك غير محددّة وغير قابلة للقسـمة مع شركائه، وقد اتفق الصاحبان أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم المتوفى سنة 182هـ/798م وأبو الحسن محمد بن الحسن الشيباني المتوفى سنة190هـ/805م على جواز وقف مشاع لا يمكن قسمته، كالبئر والحمام والرحى، واختلفا في ما يمكن قسمته، حيث أجازه أبو يوسف وهو المعتمد في أحكام الشرع وأبطله محمد .

2. وقف القسمة: وقف القسمة(18) هو عندما يشترك أكثر من شخص في ملكية أو وقف عقار واحد يتم فرز نصيب كل واحد منهم على نحوٍ يعرف فيه كل مشترك حدوده ونصيبه في العقار المقسوم، وهو بعبارة  أخرى فرز النصيب بين الشركاء حتى ينتفع بالقسمة كل منهم على وجه الخصوص. وأصبح شائعاً في مدينة القدس، وقد وفّرت أوقاف النقود أموالاً للتجاّر والمقترضين على أساس أن تُعاد هذه الأموال بفائدة يبلغ نسبتها ما بين 10 - 12% تعود على مصالح رقبة الوقف؛ دمشقي،الأوقاف،مجلة المقتطف،ص:372؛ محمد الأرناؤوط،تطور وقف النقود في العصر العثماني(2)،مجلة دراسات،جامعة اليرموك،المجلد التاسع عشر(أ)،العدد الثالث،1992م،(36-48)،ص:357؛ محمد الأرناؤوط،تطور وقف النقود في العصر العثماني(3)،مجلة دراسات،جامعة اليرموك،المجلد العشرون(أ)،العدد الأول،1993م،(356-382)،ص:357.

 

1) عبد الرؤوف المناوي،تيسير الوقوف في غوامض أحكام الوقوف،(خ)،المكتبة الأزهرية،ص:37؛ برهان الدين إبراهيم بن موسى ابن أبي بكر الطرابلسي،الإسعاف في أحكام الأوقاف،دار الطباعة الكبرى،القاهرة،1292هـ/1875م،ص:7؛ محمد أمين الشهير بابن عابدين،حاشية رد المحتار على الدر الختار،دار الفكر،1399هـ/1978م،ج4،ص:337؛ عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة،المغني،مكتبة ابن تيمية،القاهرة،د.ت،ج،5،ص:597؛ زكي الدين شعبان وأحمد الغندور،أحكام الوصية والميراث والوقف في الشريعة،مكتبة الفلاح،الكويت،1404هـ/1983م،ص:455 .

2) ابن منظور،لسان العرب،علّق عليه علي شيري،دار إحياء التراث العربي،بيروت،لبنان،ط1، 1988م،ج15،ص:374 ؛ محمد أفندي،رسالة قصيرة في أحكام الوقف،(خ)،ص:68؛ الطرابلسي،الإسعاف في أحكام الأوقاف،ص:3؛ عبد الله بن محمود الموصلي الحنفي،الاختيار لتعليل المختار،مطبعة الحلبي،مصر،ط2، 1952م،مج2،ج3،ص:40؛ محمد عيد الكبيسي،أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية،مطبعة الإرشاد،بغداد،1977م،ج1،ص:55؛ الشيخ محمد أسعد الإمام،المنهل الصافي في الوقف وأحكامه،المطبعة الوطنية،القدس،1982م،ص:7-8.

3) الإمام،المنهل الصافي،ص:14.

4) بحاّث دمشقي،الأوقاف الإسلامية،مجلة المقتطف،عدد مايو/أيار،1903م،ص:369؛ الإمام،المنهل الصافي،ص:14.        

5) ابن قدامة،المغني،ج5،ص:604 .                                 

6) جلال الدين السيوطي،الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية،دار الكتب العلمية،بيروت،1403هـ/1982م،ص:299.

7) ابن قدامة،المغني،ج5،ص:604.

8) عز الدين بن عبد السلام،قواعد الأحكام في مصالح الأنام،دار الكتب العلمية،بيروت،د.ت،ج2،ص:98؛ شهاب الدين القليوبي،حاشية القليوبي بهامش شرح المنهاج لجلال الدين المحلي،ج1،ص:378؛ عبد الرؤوف المناوي،تيسير الوقوف،(خ)،ص:41.

9) عبد الله بن محمد التبريزي،الكفاية في علم الكتابة،(خ)،مكتبة تشستر بيتي،إيرلندة،ص:12 .

10) الإمام،المنهل الصافي،ص:7 .

11) مصطفى أحمد الزرقا،الشمس الجلية في الرد على من أفتى ببطلان أوقاف الذرية،المطبعة العلمية،حلب،1925م،ص:4؛ مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية،الوقف الإسلامي في فلسطين،القدس،1984م،ص:9؛ الإمام،المنهل الصافي،ص: 14.

12) الزرقا،الشمس الجلية،ص:4؛ إحياء التراث،الوقف الإسلامي،ص:9؛ الإمام،المنهل الصافي،ص:15.

13) الإمام،المنهل الصافي،ص:15 .                                                                                  

14) تطوّر وقف النقود في العهد العثماني ليكون بديلاً عن تأجير الأراضي والعقارات والدور والدكاكين وغيرها لتغطية نفقات الوقف، ويقوم النوع الجديد على وقف مجموعة من النقود تُقدّم بفائدة محدّدة للتجار تضمن مصدراً ثابتاً لتغطية نفقات رقبة الوقف وما تُقدّمه من خدمات للمجتمع، وقد أجاز الفقهاء والقضاة الأروام (العثمانيين) هذا النوع من الوقف في العهد العثماني                ====15

15) الإمام،المنهل الصافي،ص:30-31.

16)عبد الله الشرقاوي،حاشية الشرقاوي على شرح التحرير للأنصاري،1226هـ/1811م،ج2،ص:491.

17) الإمام،المنهل الصافي،ص:28

18) علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني الحنفي،بدائع الصنائع،دار الكتب العلمية،بيروت،1406هـ/1985م،ج7،ص:17؛ أحمد إبراهيم بك،المعاملات الشرعية المالية،دار الأنصار،القاهرة،1355هـ/1936م،ص:220-221