بسم الله الرحمن الرحيم

الإغتصاب الصهيوني للأوقاف في القدس

 

بقلم: د. محمد مرسي محمد مرسي

القدس

القدس

فلسطين والأوقاف أمران متلازمان منذ الفتح الإسلامي لبلاد الشام، ففيها بيت المقدس، الذي يكفيه أنه كان قبلة المسلمين الأولى في صلاتهم وكان مسرى النبى صلى الله عليه وسلم ومنطلق عروجه إلى السموات العلى. وفلسطين هي الأرض الموجودة حول المسجد الأقصى التي باركها الله تعالى، كما ورد في كتابه الكريم.
ومما يغذي قدسية هذه البلاد، أن يأتي النص صريحاً في الوقف الإسلامي الأول في فلسطين، الذي أوقفه الرسول صلى الله عليه وسلم مرتين في مدينة الخليل (حبرون) على تميم الداري وإخوته (وهم من لخم) مرة قبل الهجرة، ومرة بعدها، وذلك كبشارة نبوية إعجازية تؤكد على هوية فلسطين الإسلامية، قبل فتحها في عهد الخليفة عمر بن الخطاب. ففي المرة الأولى التي وفد فيها الداريون، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضاً، فدعا بقطعة أدم (جلد) وكتب لهم كتاباً نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم.. هذا كتاب ذكر فيه ما وهب رسول الله للداريين، إذا أعطاه الله الأرض، وهب لهم بيت عيون وحبرون والمرطوم وبيت إبراهيم، ومن فيهم إلى الأبد.. شهد عباس بن عبدالمطلب وخزيمة بن قيس وشرحبيل بن حسنة وكتب". ولما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قدم عليه الداريون، وسألوه أن يجدد لهم الكتاب فكتب ما نسخته: "بسم الله الرحمن الرحيم.. هذا كتاب من محمد رسول لتميم بن أوس الداري: إن له قرية حبرون وبيت عينون، قريتمها كلهما وسهلهما وجبلهما وماءهما وحرتهما وأنباطهما وبقرهما، ولعقبه من بعده، لا يحاقّه فيهما أحد، ولا يلجهما عليهم أحد بظلم. فمن ظلم وأخذ منهم شيئاً فإن عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
وكتب علي في رواية أخرى عن النص السابق: (بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى محمد رسول الله لتميم الداري وإخوته: حبرون ومرطوم وبيت إبراهيم، وما فيهن عطية باتت بذمتهم، ونفذت وسلمت ذلك لهم ولأعقابهم فمن آذاهم آذاه الله، ومن آذاهم لعنه الله... شهد عتيق بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وكتب علي بن أبي طالب وشهد. وفي عهد الخليفة الأول، كتب للداريين ما نسخته: (بسم الله الرحمن الرحيم.. هذا كتاب من أبي بكر أمين رسول صلى الله عليه وسلم الذي استخلف في الأرض بعده، كتبه للداريين أن لا يفسد عليهم سبدهم من قرية حبرون وعينون، فمن كان يسمع ويطيع الله، فلا يفسد منها شيئا، وليقم عمودي الناس عليهما، وليمنعهما من المفسدين)، وكتب الخليفة أبو بكر إلى أمير العسكر في الشام في أمر الداريين: (بسم الله الرحمن الرحيم.. من أبي بكر إلى أبي عبيدة بن الجراح.. سلام عليك، فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو. أما بعد: فامنع من كان يؤمن بالله واليوم الآخر من الفساد في قرى الداريين. وإن كان أهلها قد جلوا عنها وأراد الداريون يزرعونها فليزرعوها، وإذا رجع إليها أهلها فهي لهم وأحق بهم.. والسلام عليك)(1).
وتبين الدراسات التاريخية لموضوع الأوقاف الإسلامية الفلسطينية، أن الغالبية العظمى من أراضي فلسطين ظلت منذ الفتح الإسلامي لها تعتبر أراضي وقفية تخدم مصالح الأمة الإسلامية، سواء كانت هذه الأراضي خيرية أم ذرية. ومعروف أن الوقف الخيري هو ما خصص ريعه ابتداء لصرفه على جهة من جهات البر، كالوقف على المساجد والمدارس والمشافى والملاجئ.. الخ، وأن الوقف الذري هو ما جعل استحقاق الريع فيه ابتداء للواقف نفسه أو لغيره من الأشخاص الذين يعينهم بالاسم أو بالوصف سواء أكانوا من أقاربه أو من غيرهم(2). وكانت الدوائر المسئولة عن الأوقاف تقوم بتنفيذ مهام ما يسمى اليوم وزارات الصحة والإسكان والشئون الاجتماعية والدينية والعمل.. الخ.
ولذلك أيضاً ما فتئ المسلمون يوقفون الأوقاف العديدة والغنية في سائر مناطق فلسطين ومدنها وبلداتها على مر التاريخ. ومن العودة إلى بعض الدراسات التي تناولت مدى انتشار الوقف في فلسطين في الربع الأول من القرن العشرين، أشير إلى نسبة ما بين 5-7 بالمئة من مساحة أراضي فلسطين وكانت وقفاً أو 15% من مجموع مساحة الريف و 7% من المدن، وعلى رغم غياب الأرقام الدقيقة المتعلقة بهذا الموضوع فإن أقل النسب تبين الدور الذي كان للوقف في فلسطين وخصوصا إذا اطلعنا على بعض الوقفيات، التي كانت تشمل عشرات القرى أوتلك التي تغطي خدمات اقتصادية واجتماعية متنوعة تكاد تكفي حاجات مجتمعات بأكملها، مثل وقف تميم الداري في منطقة الخليل، أو وقف خليل الرحمن في الخليل أيضاً، ووقف سنان باشا في يافا وفي بلاد إسلامية أخرى تابعة له، أو وقف (لالا مصطفى باشا) الذي كان يشتمل على عدة قرى في شمال فلسطين وسوريا، وكذا وقف أحمد باشا الجزار في عكا الذي يضرب به المثل في توسع النشاط التجاري والاقتصادي في عكا اعتمادا عليه.. إلى غيره من الأوقاف التي كانت من ركائز وأسس تكوين المجتمع الفلسطيني(3).
وكما هو الحال في شتى البلاد الخاضعة للحكم العثماني شهدت الفترة الأخيرة في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين تحولا في نظام الوقف من كونه تحت سيطرة النخب الدينية والسياسية ليكون خاضعاً لنفوذ الدولة، حيث تسلمت وزارة الأوقاف العثمانية عام 1883م العديد من الأوقاف بسبب ما كان من سوء إدارة المتولين ووضع اليد على الأوقاف الدينية. تلك التصرفات التي لم تخل من معارضة العلماء إلى أن استقرت بعد ذلك إلى حد ما، وبدخول القوات البريطانية إلى فلسطين أقامت السلطات العسكرية (إدارة أراضي العدو المحتمل) بانتظار انهيار الدولة العثمانية، وقام الانتداب في ذلك الوقت التي وافقت عليه عصبة الأمم عام 1922، الذي عمل على فصل نظام الأوقاف بعيداً عن البلدان المجاورة كما فصلت المحاكم الشرعية قانونياً عن التبعية لاسطنبول، وتم تأليف (لجنة الشئون الدينية الإسلامية) من علماء فلسطين وأعيانها مع مسئولين بريطانيين لتنظيم الوضع الديني من جميع جوانبه(4).
وفي عام 1921م تم إنشاء (المجلس الإسلامي الأعلى) لمواجهة السياسة الاستعمارية والحد من تغلغل الحركة الصهيونية وازدياد نفوذها. وقد تمكن من ضبط وتسيير إدارة شئون الوقف والمحافظة على العقارات وأهمها الأراضي الوقفية.
وقد حدث تحول مهم في إدارة الوقف في فلسطين بعدالاحتلال الصهيوني لها عام 1948م، حيث عمد الاحتلال الصهيوني إلى إضعاف الأوقاف الإسلامية في فلسطين عموماً وفي القدس الشريف خصوصاً من خلال أساليب مختلفة، منها:
1- استثناء المسلمين بمعاملة خاصة: فقد استثني المجتمع الإسلامي بمعاملة خاصة من قبل الكيان الصهيوني، وذلك للحد من تطلعاتهم السياسية داخل إسرائيل فقد تعرضوا للتمييز (إذ قابلوا غياب أية سيطرة لهم على أملاك أوقافهم ومدارسهم ومحاكمهم الشرعية بما منحته دولة إسرائيل للطوائف المسيحية والدرزية والبهائية)(5) من سيطرة واستقلالية في الإشراف عليها.
2- فرض هيمنة السياسة الصهيونية على المجتمع الإسلامي: من خلال منع فتح المؤسسات التربوية المعتمدة على الأوقاف.
3- إنشاء شبكة قوانين، قامت مجتمعة بنقل موارد نظام الأوقاف الإسلامي الموقوفة لخير المسلمين إلى يهود إسرائيل، وذلك على شكل أراضٍ تابعة لدولة إسرائيل، أو أراضٍ يملكها الصندوق القومى اليهودي.
4- صادرت دولة إسرائيل جزءاً كبيراً من نظام الأوقاف، وكان مثل هذه المصادرات يهدف إلى إلغاء قاعدة نظام الأوقاف الحالية المستقلة ويماشي سياسات الدولة الرامية إلى دمج الإدارة واستقطاب القادة(6).
5- تحجيم دور مجالس الأمناء الذي يشرف على الأوقاف من خلال تعيينه من قبل الحكومة الصهيونية وجعله جهازاً إدارياً تابع لدولة يهودية، فضلا عن عدم استطاعة المجالس صرف مدخول الأوقاف بأية طريقة قد تكون من قبيل النشاط السياسي، وأدى حصر صرف مدخول الأوقاف في مواقعها الجغرافية المباشرة إلى تشتيت ما تبقى من نظام الأوقاف في أماكن شتى، وعدم إنشاء خزينة واحدة للأوقاف(7)، هذا فضلا عن احتلال الكثير من المساجد والأربطة وتقويضها .
6- ومازالت الأجهزة الصهيونية تقوم بممارسات مختلفة بحق الأوقاف والمؤسسات الوقفية من إحراق وتدمير وحفر (أنفاق تحت المسجد الأقصى)، وكذلك المستوطنون الذين يقومون بتخريب الأوقاف والاعتداء عليها(8).
كما تم في عام 1948م أيضا إعلان دمج الضفتين الشرقية والغربية في مؤتمر أريحا، وذلك لمواجهة سياسة الاغتصاب الإسرائيلي للأراضي والمقدسات، وخضعت بموجبه شئون الوقف في الضفة الغربية لأحكام قانون الأوقاف الأردني رقم 25 لسنة 1946م، ولكن بموجب قرار فك الارتباط نجد أنه اقتصرت مسئولية إدارة الوقف في الأردن على بيت المقدس حفاظاً عليه من مخططات التهويد التي تمارسها الحكومة الصهيونية(9).
وهكذا استطاعت إسرائيل الإبقاء على نظام الوقف في وضع هامشي في الوقت الذي استمرت فيه في الاستيلاء على الأراضي، وفي الضفة الغربية كان الوضع أكثر تعقيداً، فوجود إدارة قوية للوقف، وقيادة موحدة جامعة، وموارد مستقلة نسبياً، وأملاك لها أهدافها الدينية الواسعة (الأماكن الإسلامية المقدسة)، ودولة مجاورة معارضة...، كل ذلك جعل إسرائيل أكثر حذقاً وخبثاً، وكان من شأن التدخل المباشر لها أن يؤجج الاضطرابات الحادة ويثير الهيئات الدولية، فضلا عن أنه لم يكن هناك سوى استقطاب طفيف للقيادة واستيعاب محدود للإدارة.
صحيح أنه تمت السيطرة على الموارد، ولكن ليس إلى درجة شل خدمات إدارة الأوقاف، إضافة إلى المساعدات الخارجية، وإن كان لنا أن نسجل عزم الاحتلال على القضاء على نظام الأوقاف وإبقائه على هامش الحياة.
وإذا ما قارنا تلك العدوانية بتلك المطبقة داخل إسرائيل، نستطيع أن نقرر أن القوة الدافعة جوهرياً واحدة وهي القضاء على نظام الوقف، بل القضاء على الشخصية الوطنية والعربية والإسلامية لشعبنا في فلسطين.
ونظرة إلى هذه السياسة في القدس ترينا كيف أنها طبقت في أوضاع غريبة وشاذة، هي في أوضاع حكم عسكري وضم للأراضي في آن واحد.
ومن الأوقاف الإسلامية في فلسطين التي يهدف الكيان الصهيوني إلى اغتصابها والقضاء عليها ما يلي(10):
1- وقف تميم الداري في منطقة الخليل، وهو أقدم وقف في الإسلام، كما ذكرنا، ويعتبر في تراث الوقف الذي وهبه النبي صلى الله عليه وسلم لتميم الداري وعائلته على الرغم أنه لم يسجل رسميا إلى سنة 1096ه
2- وقف خليل الرحمن، وقد خصص لمدينة الخليل، وإن معظم عشوره مخصص لوقف سيدنا إبراهيم الخليل في الخليل، ويشتمل هذا الوقف على 38 بالمئة من الأراضي الواقعة في مدينة الخليل، وقد خصص جزء من مدخوله لصيانة الحرم الشريف والقدس والحرم في مدينة الخليل.
3- وقف النبي روبين الذي كان يملك 34 ألف دونم من الأراضي الخصبة المروية في جنوب يافا، وكان معظم الأراضي مؤجراً لفترات طويلة (الحكر)، وكان مخصصا للمسجد المعروف بالاسم نفسه، وكان مركزاً للحج ولموسم سنوي، وقد استخدم مدخوله لإطعام الفقراء وقام المجلس الإسلامي الأعلى بإجراء تحسينات عليه في الري والتصريف.
4- وقف كبير مخصص لمسجد علي بن عليم ويشتمل على 280 ألف دونم من الأراضي الخصبة المنتشرة في 15 قرية في قضاء يافا وطولكرم وجنين، وكان هذا الوقف يشهد حجا سنويا ومعظم الحجيج من يافا.
5- وقف سنان باشا والي دمشق وقد أقامه سنة 1515م، الذي أصبح وزيراً أعظم في الدولة العثمانية، وكان الوقف يجمع 5000 جنيه مصري من عشور القرى في قضاء يافا.
كما تتباين التقديرات حول أراضي الأوقاف ضمن ما يسمى (الخط الأخضر) أي فلسطين المحتلة منذ العام 1948، فقال بعضهم إن نحو 10% من مجموع أراضي القرى العربية في البلاد أو نحو 7% من مساحة الأراضي الإجمالية لفلسطين- باستثناء النقب- كانت أراضي أميرية موقوفة وفقاً غير صحيح، بينما قدر آخرون أن 15% من مجموع مساحة الريف العربي كانت أراضي أوقاف(11).
أما الورقة الخاصة بالأوقاف والمقدسات التي قدمت إلى مؤتمر الجماهير العربية في فلسطين المحتلة (الناصرة 12-12-1996) فأوردت معطيات من مصادر غير إسلامية، على النحو التالي(12):
*مساحة الوقف الصحيح في المدن 100 ألف دونم.
*مساحة الوقف الميري تقدر بنحو 12-18% من كامل الأراضي الزراعية البالغة 1،2 مليون دونم ميري وقفي.
*نحو 90% من أراضي عكا و 33% من أراضى الرملة هي أراض وقفية، ونحو 70% من حوانيت يافا أملاك وقفية.
*بين 15-25 ألف دونم الأراضي المزروعة بالحمضيات هي أراض وقفية.
*ومن الأوقاف وقف مسجد النبي روبين قرب نتانيا (نحو 22 ألف دونم) ووقف مسجد حرم سيدنا علي (نحو ألف دونم) وعليه أقيمت مستعمرة هرتسليا الصهيونية.
وتختلف المصادر اليهودية في تحديد المساحة الحقيقية للأراضي الموقوفة، فيقدرها (ي. شمعوني) بنحو 100 ألف دونم، بينما يقدرها (جرنوفسكي) بنحو 700 ألف دونم(13).
كل هذه الأوقاف الإسلامية يهدف الكيان الصهيوني إلى القضاء عليها بشتى الطرق المشروعة وغير المشروعة.
أما واقع الممتلكات الوقفية في القدس الشريف التي يهدف الكيان الصهيوني إلى القضاء عليها فهي ما يلي(14):
1- الأراضي الوقفية: يصل مجموعة المساحة الوقفية للأراضي في القدس إلى 3.073.03 دونمات من مجموع 3.157.15 دونمات.
2- دور الأيتام: يوجد 11 داراً في القدس من مجموعة 71 داراً.
3- المقامات الأثرية: هناك 3 مقامات أثرية في القدس وحدها.
4- المدارس الوقفية القديمة: ويوجد في القدس نحو خمس مدارس قديمة ذات طابع أثري، ومعظمها قد تحول إلى مساكن، وبعضها قام الاحتلال بهدمه وإزالته(15).
وتحتفظ المحكمة الشرعية في القدس بعشرات الوثائق والمستندات الوقفية للأراضي والحقوق الإسلامية في فلسطين. وقد نشرت في بعض المؤلفات صور نسخ منها، وعلى سبيل المثال، أورد الشيخ محمد أسعد الإمام الحسيني، قاضي رام الله الشرعي، العديد من صور الوقفيات من العهود الأيوبية والمملوكية والتركية، ومنها التالية: وقفية حارة المغاربة في القدس (66ه)- وقفية قرية عين كارم على السادة المغاربة في القدس (720ه)- وقفية على مدرسة قايتباي في الحرم الشريف (877ه) - وقفية العمارة- التكية- تكية خاصكي سلطان في مدينة القدس (964ه)- تحديد أراضي القرى والمزارع الجارية في وقف العمارة- التكية (967ه) - وقفية بيت جالا على العمارة- التكية والحرمين الشريفين القدس والخليل.. الخ(16).
تعكس هذه المعالم الوقفية بصورة واضحة الهوية الإسلامية الخالدة للبلاد، وتوحي بالغنى الروحي والثقافي للمجتمع الفلسطيني، كما تشير الى الارتباط الوثيق الذي كان وجد بصيغة (الوضع الراهن) للأوقاف، حتى نكبة عام 1948م، التي تمثلت بسلخ البلاد عن الجسم العربي الإسلامي وتهجير غالبية مواطنيها العرب وإقامة الكيان الصهيوني عليها، ومنذ ذلك الحين أخذت الأوقاف الإسلامية تئن تحت وطأة الاحتلال وتتعرض إلى شتى أنواع التعديات من الكيان الصهيوني.
إن الكيان الصهيوني يهدف إلى القضاء على الأوقاف الإسلامية في فلسطين عموماً والقدس الشريف على وجه الخصوص لطمس هوية التراث والحضارة الإسلامية في هذا القطر الإسلامي، ولقناعتهم الجادة في أنه يمكن لموارد الأوقاف الإسلامية أن يستخدمها المسلمون في المحافظة على تماسك المجتمع وعدم الانهزام أو الخضوع للاحتلال، وهو ما حافظ على جذوة المقاومة ضد الاستعمار مستمرة وفاعلة، فقد كان للأوقاف دور أساسي في دعم الجهاد وفي توفير الموارد له، بل وظف الوقف في مجابهة الاستعمار والاحتلال من خلال توظيف القوة الإلزامية لشروط الواقف كوسيلة لمقاطعة الأجانب وللتعبير عمليا عن الرفض الشعبي لهم رغم ذلك، عبر (حرمان الأجانب من الاستفادة بأعيان الوقف واشتراط مقاطعتهم والمتمتعين منهم بنظام الامتيازات الأجنبية بصفة خاصة، وذلك بموجب نصوص صريحة ضمن شروط الواقفين الخاصة بإدارة أعيان وقفياتهم وكيفية استغلالها اقتصادياً)(17)
في ضوء ما سبق لا بد من الحفاظ على الأوقاف الإسلامية في فلسطين والقدس الشريف ومواجهة اغتصاب الكيان الصهيوني لهذه الأوقاف حيث أنهم يعمدون إلى تعطيل كامل للحياة الاجتماعية من خلال إجراءات شديدة جعلت نظام الوقف الإسلامي تحت رحمة الكيان الصهيوني التي صادرته مع موارده المالية.
الهوامش:
1- محمد حميد الله، مجموعة الوثائق للعهد النبوى والخلاف الراشدة، دار النفائس بيروت، 1987، ص ص 130- 133 .
2- محمد أسعد، الإمام الحسيني، القدس، 1982، ص 15 وكالة أبو عرفة للصحافة والنشر، القدس، 1982، ص 15 .
3- مروان قباني، تحولات علاقة الوقف بمؤسسات المجتمع المدني في بلدان الهلال الخطيب، ندوة نظام الموقف والمجتمع المدني في الوطن العربي، بيروت، 2001، ص 714 .
4- المرجع السابق.
5- مايكل دمبر، سياسة إسرائيل الأوقاف الإسلامية في فلسطين، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 1992، ص 146 .
6- المرجع السابق 66 .
7- المرجع السابق، ص ص 93 - 94 .
8- جريدة البيان، دولة الإمارات العربية المتحدة، عدد يوم 20/11/2003م .
9- انظر خطة قطاع الأوقاف والشئون والمقدسات الإسلامية للفترة من 1999- 2003 . فلسطين.
10- المرجع السابق.
11- مايكل دمبر، مرجع سبق ذكره، ص 25 .
12- ورقة حول الأوقاف الإسلامية في فلسطين، وثيقة، ص 18 .
13-إبراهيم عبدالكريم، الأوقاف الإسلامية في فلسطين مجلة أوقاف، العدد 26 السنة الثالثة، ربيع الأول 1425ه ص ص 208- 209 .
14 النشرة الإحصائية للأعوام 1989 ، 1993، 1998 وزارة الأوقاف والشئون والمقدسات الإسلامية، الأردن، 1999م.
15- المرجع السابق.
16- محمد أسعد، الإمام الحسيني، مرجع سبق ذكره، ص 17 .
17-إبراهيم البيومي غانم، الأوقاف والسياسة في مصر، دار الشروق للنشر، القاهرة، 1998م، ص ص 363- 364.